قبيل السفر إلى ساوباولو لم أكترث بما يقال عن هذه البلاد، وكعادتي لا ألتفت إلى اجتهادات البشر وما يهيمن عليها من زرع صور الخوف في قلب المسافر، ولكني شرعت إلى محرك البحث «غوغل» من أجل الحصول على نظرة من داخل البلد، وشاهدت بعض الفيديوهات لأناس لديهم الفضول في المغامرة والتصوير، وهذا جزء من ثقافة استكشاف أنماط الحياة حول العالم، وهي إحدى هواياتي أي اكتشاف المدن ولكن ليس على طريقتهم في المغامرة، بل على طريقة السفر الهادئ والرصين بالأفكار والتطلعات الثقافية.
وصلنا إلى مطار ساوباولو مع أصدقاء لي من كتّاب الإمارات وقنانيها، وبعد رحلة استغرقت زهاء خمس عشرة ساعة انقضت بين النوم والصحو والقراءة وتبادل الأحاديث فمنذ رحلة باريس لم تجمعنا الحياة في مكان واحد، ولكن الوصول إلى هذه المدينة المتسمة بغموض المكان والزمان، وجدنا أنفسنا نستدرج بما يشبه استدراج النص نحو الفكرة في الكتابة القصصية. فاختلاف المكان، واختلال الوقت، وشعور الغموض، جعل أغلبنا يأوي إلى الغرف تجنباً للوقوع في قصص تشبه الخيال. كانت لقاءات (الواتس أب) هي التي تجمعنا، في أوقات مختلفة من الليل، ومثّلت لأغلبنا الوسيلة الوحيدة للتحرر من عزلة المكان.
في اليوم الأول ذهبنا معاً نحو المول القريب، كأننا ذاهبون إلى المدرسة نكتشف الصفوف والناس والمدرسين، ونسعى إلى الحصول على شريحة هاتف محلية وتحويل النقود والبحث عن «ستار بوكس».. فاطمأن الكل لما يبتغي، بمن فيهم المحب لمقهى «ستار بوكس»، لكن أحد الأصدقاء لم يطمئن إلى أشكال البرازيليات فهمس أنه لم يعثر بينهن على واحدة تشبه تلك اللواتي رآهن في الصور الدعائية، لكن كل من وجد منهن تشبهن أصدقاء الحارة القديمة في الهيئة، لذلك قرر أن يولي وجهه نحو اهتمامات أخرى.
افتتح معرض الكتاب في ساوباولو ليلًا، وشعرنا أنه افتتاح متميز لم نعهده من قبل، وكان هذا الحدث استثنائياً خاصة مع هذا التقارب الحميمي بين شارقة الإمارات وساوباولو البرازيل. النساء الإماراتيات بعباءاتهن وبرقهن أضأن المكان، في امتزاج ساحر مع الموسيقى التي اتحفتنا برقيّها.
لم تكن رحلة ساوباولو مجرد رحلة زمنية، بل هي رحلة أدبية ثقافية جميلة، تشعرك بلقاء خاطف، متوهج الرؤى ومستشرف على الصداقة والزمالة التي تصعد بنا نحو فهم الآخر.