طهران تعرض على دمشق المساعدة في تعزيز ذخيرتها العسكرية، وتقول إن لديها «قدرات عالية في المجال الدفاعي» تؤهلها لذلك، في تحرك استعراضي، يتزامن مع الأزمات الداخلية التي تعصف بإيران، وأطاحت وزيرين في الحكومة في غضون شهر، بينما يتفاقم سوء الوضع الاقتصادي، مع انهيارات متتالية في قيمة الريال، وخروج الشركات العالمية من السوق الإيرانية، وهنا تكمن أكثر من مفارقة: أولاً، من البدهي أن السلوك الإيراني تجاه سورية، ومنذ بدء حركتها الشعبية في 2011، ينسجم مع الأحلام التوسعية إياها، فإيران بصفتها المركزية والتدخلية في لبنان والعراق واليمن وسورية، لا تعرض مساعدة عسكرية، لدوافع خيرية، أو لمجرد الرغبة في الوقوف مع حليف، فهي تريد «الحضور والمشاركة والمساعدة» في مشروعات إعادة إعمار سورية، كما أعلن ذلك صراحة وزير دفاعها أمير حاتمي في دمشق أول من أمس، لتعيد بناء ما ساهمت في خرابه أساساً، وعلى الشعب السوري أن يسدد الفواتير المتراكمة كلها.
ثانياً، بمقدار ما يعاني الوضع الداخلي في إيران الانكسار العام في النواحي المعيشية، وفي الحكومة، والبرلمان، والمصرف المركزي، يتواصل الاستكبار، وعرض القوة العسكرية في المنطقة، تارة باستثمار الانهيار في سورية، وتارة بإرسال الطائرات الموجهة المحملة بالمتفجرات إلى اليمن، ومواصلة البحث عن نفوذ خارجي، يستنزف الموارد والإمكانات إلى الحد الذي تساءل فيه نائب إصلاحي: «ماذا فعلنا بالشعب الإيراني. لقد جعلناه بائساً، والطبقة الوسطى تقترب من الفقر»؟!
ثالثاً، لم يخف وزير الاقتصاد الذي سقط برلمانياً الأسباب الخارجية وراء الأزمات الداخلية في إيران، وهذه غير مرتبطة تماماً بالعقوبات الاقتصادية الأميركية، بقدر اتصالها بالإنفاق العسكري الهائل الذي أثقل كاهل الخزينة الإيرانية في السنوات الماضية، جراء التدخل، أو دعم الحلفاء والميليشيات المذهبية في أربع دول عربية.
ما يحدث فعلاً، أنّ أوهام «الدولة الإقليمية العظمى» تتبدّد داخلياً، فالإيرانيون الذين خرجوا إلى الشوارع في أكثر من ثمانين مدينة في ديسمبر الماضي، وسقط منهم 25 قتيلاً في الاحتجاجات على تردي الأحوال الاقتصادية في بلادهم، يدركون تماماً أن عملتهم وناتجهم المحلي وثرواتهم باتت مرهونة للغرور الذي يجتاح الذهن السياسي الإيراني، وتلك علة العلل.