بعيداً عن بطولة نهائي «السوبر الإماراتي» لكرة القدم الذي احتضنته الشقيقة الكبرى مصر، على استاد «الدفاع الجوي» بالقاهرة أمس الأول، وبعيداً عن الفائز والخاسر، أقول إن الفائز الأكبر كان عامل نظافة بسيطاً، هو أنموذج للمصري الأصيل المعتز الفخور بعمله وقيمه، وذلك من خلال القصة المؤثرة التي نقلها لنا الزميل منذر المزكي ضمن «أبوظبي الرياضية» لتغطية الحدث من عاصمة العرب، فقد التقى بالعم «عيسوي» الذي يعمل كناساً لشوارع تلك المنطقة من القاهرة على مدى37 عاماً، وبدلاً من أن يقدم له هدية البرنامج، أهدى الرجل المشاهدين دروساً في حب العمل والوطن وشريكة الحياة.
قال الرجل إنه يتشرف بعمله ومهنته في كنس تراب بلاده، ويؤديها بكل فخر، ويعز عليه أن يرى ورقة ملقاة، ممكن أن تشوه جمال الوطن الذي يخدمه. أين من هذا الشعور كل من يشوه جمال المكان الذي يجلس فيه، ويترك مخلفاته دون أن يحملها إلى أقرب سلة للمهملات؛ لأنه يترفع عن ذلك، ويعلم أن هناك من سيقوم بالمهمة نيابة عنه؟!.
عندما عرض البرنامج هديته «رحلة عمرة» على العم عيسوي، اعتذر عن قبولها نظراً لمرض زوجته، وتحت إلحاح مقدم برنامج «على السكة» وافق على تحويل تكلفة رحلة العمرة لصالح علاج زوجته التي كانت تعاني من فقدان البصر في عين، وتجمع مزمن للمياه البيضاء في العين الأخرى.
تابعنا كذلك، كم هو متعلق بها، وقلق عليها، عند باب غرفة العمليات، قبل أن يبشره الطبيب بنجاح العملية، ويتلقى الهدية مجدداً من أبناء الإمارات برحلة للديار المقدسة لأداء العمرة، هو وزوجته، لفتة جميلة ورائعة من «عيال زايد» في «عام زايد» تجاه رجل بسيط، قدم دروساً في الوفاء والانتماء والحب، حب بمعناه الجميل السامي الأوسع والأشمل، حب يجعل صاحبه ينظر للوجود ولكل ما حوله جميلاً بهياً، مهما كانت الظروف والمشاهد أمام ناظريه. مشاعر عظيمة لا تفرق بين ساكن الدور المنيفة، والأكواخ السحيقة، تسكن أصحاب القلوب البيضاء السليمة الزاهية.
كل الشكر لقناة أبوظبي الرياضية والمزكي، فقد قدموا لنا أكثر من مجرد نقل مباراة، بل دروساً لكل إنسان يسكنه الحب فيرى كل ما هو جميل في هذا الوجود، وأعلى مراتب الحب أن يكون المرء مسكوناً بعشق التراب الذي ينتمي إليه وبمن فيه، وأغلى من يدب على أديمه.