نغادر بلادنا ونسافر إلى البلاد البعيدة، ولكننا عندما نلتفت إلى الوراء نرى ضوءاً لا يخفت، ولا يخبو نوره، إنه قمر الإمارات يطل علينا من مدنها الراقية من بحارها التي أصبحت سجادة مخملية تسترخي على نعيمها نقوش ما نسجته الأنامل الرقيقة، وحاكت خيوطه إبر الحب الأنيقة، وصارت الصحراء حقلاً يزخر بألوان الزهر، والشجر، والشوارع شرشفاً رهيفاً تسير عليه العابرات بخيلاء وتؤدة، والمحال التجارية العملاقة تمد البصر إلى السماء، كأنها النوارس الأسطورية، والطمأنينة تعم الأرجاء، فتمضي النفوس مثل حمامات وداعة، تلتقط حبات الحياة بأنفة وكبرياء، وتستطيع أن تجول في الأماكن وأنت تتنفس نسيم الحرية من دون منغصات، ولا عقبات تعرقل ذهابك إلى المستقبل. لاشك أن في بلاد الغير هناك تكمن الطبيعة الخلابة، ولكن هذه الطبيعة كائن بلا روح، وطائر بلا أجنحة، هنا في هذا البلد، في الإمارات الحياة مفعمة بالحب، منعمة بحرير ثقافة الألفة، الغريب يشعر أنه يعيش في بلاده، وفيما لو داهمته الحاجة إلى عون سيجد من يأخذه إلى مكان الدفء الذي يحميه من هلع الغربة، ولا حاجة له إلى (النفجيشن) كي يقوده كالأعمى إلى المكان الذي يريده.
في البلاد البعيدة الناس آلات تحفر الشوارع، وتجوب الأمكنة، تحث برفقة وحشة الطريق، والشعور بالعزلة، كمن يتوغل في أحشاء غابة مهيبة، لا تجد الابتسامة إلا ما ندر، وأن عثرت عليها، فكأنك تبحث عن أبرة في كومة قش.
هذا حال ثقافة التكنولوجيا الجافة، والتي ناهضت أفكار روسو، وواسبينوزا، وهايدجر، وسواهم الذين حذروا من ميكنة الإنسان، وتنبؤوا المجتمعات خاوية من الروح إذا ما استمر الإنسان ماشياً على أقدام بحذاء حديدي، يلطم الأرض بخفاف ثقيلة، ويصفع الطبيعة بكف العنجهية، ولا يلتفت إلى جمال الطبيعة، ورقة العشب، ودماثة الشجرة، ولطافة الماء الذي يجري في عروق الأرض. نعم بلادنا أجمل، ليس بالمادة، وإنما بإرث زايد الخير، طيب الله ثراه، وأنجاله الذين شقوا طريق الحياة على منوال ما رسخه الباني والمؤسس، فأصبحت الإمارات، النسق الفريد في هذا العالم، تمضي أمام الآلة وليس خلفها، وتسخر التكنولوجيا لخدمة الإنسان، وعمار فؤاده، بأزاهير الحب، وريحان الشوق إلى حياة ملؤها الألفة، والحنان.
الإمارات الأجمل لأنها ترتوي من نهل زايد، ومن إبداعه الثقافي الذي فتح للإنسان نافذة نحو الحياة من دون تفريط بالثوابت، ولا إفراط في المادة. الإمارات الأجمل، لأنها بنيت على أرض نسقها من نسيج النخلة النبيلة.