في وجود هذه الظاهرة المعقدة والمؤلمة، نحتاج إلى علماء نفس أكثر من حاجتنا إلى أي أداة من أدوات المكافحة لظاهرة الإرهاب، وكون العالم أجمع مبتلى بهذه الظاهرة فإنه مطالب لأن يمشي باتجاه الظاهرة، وهو متكاتف ومتضامن ناسياً كل فقاعات اختلاف المشارب، لأن العدو لا يفرق بين شرقي أو غربي، العدو كائن أعمى يسير من دون بصر أو بصيره، إنه يضرب في كل مكان، وفي أي زمان، العدو شد الرحال، وربط العزم على تدمير العالم، وتحويله إلى كتلة من الجحيم، بعد أن سقطت كل الثوابت لديه وبات مثل وحش بطش به الجوع ، فلا يفرق بين صغير أو كبير، أو أبيض وأسود، وعندما نستدعي الذاكرة ونقرأ ما جاء في أخبار العالم عن تفجير مأتم، أو خيمة عرس نشعر أن هذا الإرهاب بلا عين، ولا أذن، بل هو يد تمتد إلى أقصى الوجود الإنساني، ومخالب بطول شعيرات اللحية الكثة، وأنياب صفراء، مثل صفائح صدئة، هذا الداء، هذا الوباء جاء من عوالم خيالية، وهمية رسمت له صورة سوداوية عقيمة، وسقيمة، وعديمة، وأصبح هذا الكائن أسير فكرة جهنمية زرعت في عهود باكرة من عمره، وتغذيها الآن شياطين الأنس الذين جندوا أنفسهم رماحاً مسمومة، هدفها زعزعة أمن البشرية، والإطاحة بالحضارة، وإفشال مشاريع التنمية في بلاد العالم، ولذلك لا نستغرب أبداً، عندما نسمع عن أشخاص أو حتى دول تهدد بضرب مصالح العالم، إذا لم يذعن العالم لمطالبها، وهي مطالب غير مشروعة، بل هي مطالب تعيدنا إلى عصر البدائية الأولى، فمثلاً عندما تشترط دولة مثل إيران، بأن تكون نووية أو تخرب ممرات الحياة في منطقة الخليج العربي، والبحر الأحمر فهذا يعيدنا إلى ما بدأناه، فإن عقد النقص هي التي تدفع بالأفراد أو الدول إلى خوض معارك عدمية، وعشوائية ضد الآخر، فقط لإثبات الوجود ، وإلا ماذا يدفع إيران بأن تواجه العالم بهذه اللغة، وتصر على مشروعها البائس، رغم ما يعانيه الشعب الإيراني من فاقة وعوز، ورغم رزوحه تحت ونير الجهل والأمية، والمرض؟ هذا الإصرار والتعنت قادم من عقلية تعاني من ويلات الهزائم التاريخية، والانكسارات القديمة، تبرز اليوم على السطع لتعبر عن حالة مرضية تحتاج إلى مكافحة بحزم، وعزم وبلا تهاون، لأن المرضى من أمثال هؤلاء لا تردعهم إلا أدوات الكبح، واللجم وبتر المخالب الطويلة.
هذه الحالات على مستوى الدول أو الأفراد، لا علاج لها سوى الإيمان بشذوذها، واعتباره مرضاً يجب التخلص منه والتحرر من بلوائه، وإلا تمادى الشذذ وانتشروا كانتشار النار في الهشيم.