أسئلة مثل رذاذ الماء الساخن، ترش على العقل، فتجعله خاملاً، لا يقوى على تفسير ما يحدث في المشهد العالمي، وسؤال الإرهاب يتقاذف على الذهن مثل قطع الأحجار المتناثرة من علو جبل، عصفت به أيد أثيمة، والسؤال الأهم هو أين يكمن الإرهاب؟ هذا السؤال ينزل على الرأس كما هي الطيور الأبابيل، والفكر الإنساني نظر كثيراً، وتدبر وبصر ولكن دون جدوى، لأن الأصابع تشير إلى مكان، والإرهاب يكمن في مكان آخر ومازالت عجلة التفكير تدور، وتلف حول نفسها، والإرهاب تكبر دائرته، وتتسع جراحه في كل مكان من العالم، وكلما تم القبض على مجموعة من هذه الذئاب الضالة، انفجرت قنبلة في مكان آخر، وهكذا تتدحرج كرة النار، وتتساقط شظاياها، على رؤوس الأشهاد، وكأن العالم الذي اخترع أدق التكنولوجيا، وأعقدها عاجز عن اكتشاف النواة الخفية لهذه الجرثومة المزلزلة لكيان، ووجدان العالم.
المسألة في غاية البساطة، فابحث عن الخلل الذاتي تجد هذا الداء كامناً مثل خلية سرطانية تحت الجلد، تنمو ببطء، وتتفشى، مثل فيضان السيول في ساعة هطول الأمطار الرعدية، وما أن تحين الفرصة السانحة حتى تقفز هذه الخلية وتتسع رقعتها، حسب ما يتاح لها من فرص، ومعطيات، في الواقع الذي تبرز فيه ولكن في النهاية فإن هذه الخلايا لا تأتي من فراغ، بل هي وليدة واقع إنساني مهيأ لأن يستقبل مثل هذه الأعراض الشاذة، والمكتوية بنيران عقد النقص، والدونية، ومركبات نفسية لا تاريخ لها، ولكنها جاءت من منطقة في اللاشعور، اختزنت من زمن ماض، وكانت فيها النفس لهؤلاء تتلقى ضروباً من التعسف في التربية، وأشكالاً مختلفة من المعاملة السيئة، وأحياناً تكون عقد النقص وجودية، مرتبطة بعلاقة الفرد بنفسه ونظرته إلى تكوينه، تؤدي إلى خلق كائن شبه مخلوق بشري، غير متصالح مع نفسه، وبالتالي غير قادر على
التصالح مع الآخر، هذه النزعة بدورها تقود إلى حالة من الخلل الداخلي، يدفع بالشخص المصاب إلى التصادم
مع الواقع، وانتزاع نفسه من هذا الواقع والارتماء في حضن واقع آخر، يجد فيه المثوى الذي يحقق فيه وجوده، ولا شيء أقوى من الشعارات الوجدانية والعاطفية تأثيراً، ما يجعل المصاب يندفع اندفاعا أعمى نحو المريدين، وأرباب الشعوذة الذين يجدون ملاذهم في هؤلاء الشذذ، فيحيكون حولهم خيوط العنكبوت حتى يفقدوهم الإرادة، ويجعلوا منهم أدوات تدميرية خطيرة لا علاج لها غير البتر.