خلال عقود من الزمن الرديء، استطاعت فئة من شذاذ الآفاق أن تذر الغبار في الفضاء العربي، ولم ير الآخر فينا غير وجه مرآته مشروخة، وعطره قديم قدم الدهر، ما جعلنا نقف على ناصية الطريق، ننعق بصوت لا تصل نبراته إلا بشق الأنفس، تلك الفئة التي سوفت، وأسرفت في التشويه، وبعثرت وعثرت، وعرقلت قطار الفكر العربي الإسلامي، وجعلت عرباته تنحرف عن الطريق القويم، وتناثر المسافرون في الزوايا المعتمة، وصار الدين الحنيف أسير عقول خاوية.
اليوم يأتي الدور الطليعي على قادة التنوير كي يزيحوا الغبار، ويكنسوا عن سجادة الفكر نفايات من تمادوا في جعل السجادة من بقايا حروب الطوائف، وضروب الخرافات البائسة.
اليوم نحن أمام مفصل من مفاصل التاريخ وتحولاته العصيبة، فإما أن نكون، أو لا نكون، ولكي نكون يجب علينا أن ننفض سجادة التاريخ، ونخلصها من براثن العصابيين، ومرضى الأنا، وأن نمرر أصابعنا على تلك الخطوط المتعرجة، ونمحو أثرها، ونعيد كتابة الجملة المفيدة، وننسخ خطابنا، بخط لا يقبل التأويل، والتخمين والتضمين، ونذهب إلى العالم بوجه صاف مثل ما هو ديننا الذي أنزله الله على رسوله الكريم، وأن نتجنب كل ما يشوش ويخربش، وينبش في قبور الأموات، وأن نعطر أحلامنا بعبق الدين الحقيقي، وألا ندع الساحة ملعباً لدعاة التمييز، وأصحاب العين الواحدة، وأن نعانق الوجود بسواعد أشبه بأغصان الشجر، وأن نصافح بكفوف من غير سوء، وأن ننظر إلى العالم كوحدة واحدة، لا تحدها حدود، ولا تسدها سدود. فالعالم لا يحترم المنزوين، ولا ينظر إلى المكتوين بالشوفينية الدينية، ولا بالذين يتكئون على مخدات مزقتها أنفاس الحقد والكراهية للآخر.
اليوم، ونحن في ضيافة القرن الحادي والعشرين، نحتاج كثيراً إلى عقولنا كي ننير دروبنا، نحتاج إلى ضمائرنا كي ننصف ديننا، نحتاج إلى قلوبنا كي نحب الآخر، ونقف معه كتفاً بكتف لنحمي مبادئ الدين الإنساني، ونحفظه من عبث العابثين، ورفث النابشين في مكبات القمامة، والواقفين عند أطراف القوارب المهترئة.