عبدالعال الباقوري الهرم الذي مد الكلمة شجرة سامقة جذرها في الأرض وفرعها في السماء.
يترجل اليوم هذا الفارس، ولكن كلماته لم تزل أعشاباً تهفهف في سماء الإمارات، التي أمضى فيها عمراً، في منازل الصحافة، وبحصافة النبلاء، كان الباقوري المعلم الوفي والصادق الأمين لمهنته ووطنيته الشفيفة العفيفة، كان في جريدة الاتحاد، وعلى مقعد القسم الخارجي، يجلس قديساً يحلم بوطن عربي مشافى من درن التشققات، معافى من حزن الافتراقات، ولكن يغادرنا عبدالعال الباقوري، والقرح في الوطن العربي في تورم، وتأزم، والقلوب في تشاؤم، وتألم، يغادرنا هذا القلم المضيء، ونحن لا زلنا نلعق جراح أمة لم تخرج من خندق حتى تدخل في نفق، والمعضلات تتراكم مثلما هو الغبار على سجادة قديمة، وقد أغمض عبدالعال عينيه، وربما كان قبل الإغماضة كان الحلم يتبلور في صيغة بصيص خفيف يشير إلى أمل ضئيل بأن الغيمة الداكنة سوف تنقشع، وأن أعداء العروبة سوف يتوارون عن الأنظار طالما هناك أمل، وطالما هناك من آمن أن ظلام البؤس تقشعه شمس الطموحات الكبرى، وأن في هذه الأمة عقولاً لم تزل وفية لأوطانها، ولم تلوثها عواتي الزمن، ولا تقلبات الأحوال السياسية.
ذهب عبدالعال الباقوري، وبقيت الأمنيات باسقات، ترفرف بأجنحة ذاكرة الذين تتلمذوا على يديه، وهم كثر، وقد تقلدوا المناصب التي رسمها الرجل في عيونهم، وها هم اليوم لا ينعون الراحل، وإنما يكنون له الحب، ويرفعون له نشيد العرفان، ويطلقون عصافير الفخر برجل ما كان يحسسهم بالإقليمية الضيقة، ولا بالقطرية الهزيلة، إنما كان دائماً يتحدث عن أمة مكانها من المحيط إلى الخليج العربي، هذا الخليج الذي نتمنى له أن تصفو مياهه، من حقد كل صفوي ما صفت نفسه، ولا تطهر ضميره من الأوهام التاريخية البغيضة، ولا استطاع يوماً أن يتحرر من غبنه، وحزنه الوهمي، بل يتطور نسلاً من سلالات الكراهية لكل ما هو عربي، ويتمادى في احتقانه، وأمراضه.
لا ننعيك يا حصيف الصحافة، فأنت في الذاكرة كلمة خالدة، لا يخبو وميضها، ولا تنطفئ شعلتها، أنت في المكان والزمان المعنى، والدلالة لكلمة لا تموت.
نقول للراحل الكبير، شكراً، فقد أعطيت وبذلت، وسهرت، وأنجبت جهودك أعشاباً، ستظل خضراء، بإذن الله، برغم أنف كل أفاك أثيم، وكل معتد لئيم.
رحم الله عبدالعال الباقوري، وألهم ذويه، ومحبيه الصبر والسلوان.
واسمك سيدي سيبقى في ذاكرة جريدة الاتحاد، وأهلها، النسق الذي على أثره تسير القوافل، والنوافل، والأنهار، تمضي إلى الأشجار المحبة للحياة.