إلى مزيد من العبث، يتوجه رجب طيب أردوغان، محاولاً فرض الأمر الواقع على ليبيا، واستباحة سيادتها، وتحويلها ساحة للنفوذ التركي، بعدما طلب تفويضاً من برلمانه بإرسال قوات عسكرية إلى ليبيا، عوضاً عن المساهمة في الجهود العربية والدولية للتوصل إلى معادلة سياسية مقبولة لدى الأطراف الداخلية في هذا البلد، تكفل حماية شعبه من الإرهاب.
مغامرة أردوغانية أخرى، ستجعل كل ليبي يسأل عن معنى ومغزى إرسال قوات تركية، لمواجهة جيشه الوطني، بقيادة اللواء خليفة حفتر، الذي يتصدى للجماعات الإرهابية، المنتشرة كالدمامل على خريطة البلاد، والمسكوت عن جرائمها إلى حد التواطؤ!.
ما لا يعرفه أردوغان أن كل ليبي لن يعتبر جنوده إلا قوة احتلال، مثلما تراها الشرعية الدولية، ولن ينجح في تبرير ذلك بالاتفاق المريب، الذي أبرمه مع رئيس حكومة الوفاق الليبية فايز السراج الشهر الماضي، عندما استدعاه إلى «الباب العالي»، واتفقا على العبث بالجغرافية، وبمصير الشعب الليبي، وعلى زيادة التوتر في حوض البحر المتوسط، والمنطقة بأسرها.
في إطار التدخل العسكري المرتقب، كان اتفاق أردوغان والسراج في شأن التعاون الأمني والعسكري، والسيادة على المناطق البحرية بين دولتين، لا تلتقي حدودهما البحرية عند أي نقطة، وتفصل ساحليهما قبرص وكريت ورودس وجزر صغيرة أخرى، فيما الطرف الليبي الموقع على التفاهم غير مخول قانونياً، لأن اتفاق الصخيرات 2015، لا يمنح السراج صلاحية عقد اتفاقيات دولية، بل المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق برمته.
الاتفاق التركي مع السراج ينتهك سيادة ليبيا وسلامة أراضيها ووحدتها الوطنية، ويفتح الباب واسعاً أمام هيمنة تركية واسعة على ليبيا من شمالها إلى جنوبها، بما يخلط أوراق العملية السياسية فيها، ويشجع الجماعات المتطرفة، ويزيد رقعة عملياتها، ولا مصلحة لحكومة السراج فيه سوى تلبية احتياجات أردوغان في النفط والغاز، وصناعة حليف إقليمي، مجرّب في سوريا، وفي إيواء «الإخوان»، وتقمص النزعات السلطانية البائدة!.
يدفع أردوغان 40 مليار دولار سنوياً لفاتورة النفط والغاز، وعينه على أكثر من 200 مليار متر مكعب من الغاز قبالة قبرص، ويتطلع أيضاً إلى فرض سيطرته على غاز جنوب المتوسط، وعلى تركز الموارد النفطية في طرابلس وطبرق معاً، ويتيح له تفاهمه مع السراج تعاوناً اقتصادياً بين شمال المتوسط وجنوبه، بما يهدد مصالح مباشرة لقبرص واليونان ومصر، ودول أخرى مشاطئة، ويزيد من حدة الانقسامات الداخلية والإقليمية.
ما يسعى إليه أردوغان عموماً مخالف للقانون الدولي، علاوة على أنه يتطلب سلسلة اتفاقيات للتعاون الإقليمي لدول المتوسط، خصوصاً المتضررة على نحو مباشر من أطماعه بغاز المتوسط. والاتفاق المنفرد مع السراج لا يعدو أن يكون مشروعاً تركياً لإثارة أكثر من أزمة في حوض المتوسط، أهمها في ليبيا نفسها، خصوصاً بعد رفض النخب السياسية والبرلمانية والاجتماعية لامتداد يد أردوغان إلى مقدرات الشعب الليبي، وقد لاحظنا الإجماع القبلي الواسع، ضد التدخل التركي، وهو ما لم يلتقطه أردوغان، حينما طلب تفويضاً بإرسال عسكره إلى ليبيا.