يقول نيتشه: «القلق هو وعيك بالحرية». وهذا صحيح عندما تكون أنت في أتم الوعي، وعندما يكون القلق ناجماً عن وعي، بما هو حادث في الواقع. ولكن الكثير من القلق ليس إلا وليد الخوف المرضي، وهو ما يطلق عليه بالفوبيا.
نعيش يومياً هذا القلق بناء على نوازع ومشاعر أسقطت في وجداننا، وأصبحنا أسرى لها. نحن نخاف من الظلام، لأن الكبار قالوا لنا في الظلام تسكن أم الدويس، ونحن نخاف من الوحدة، لأن الآخرين قالوا لنا إن الشيطان يسكن في تجاعيد الوحدة. نحن نكذب كثيراً، وقلّما نصدق مع غيرنا خوفاً من قول الحقيقة، لأنها تغضب، وتجلب الامتعاض والتذمر، وأحياناً قد تعرضنا للعقاب.
نحن نخاف لأن الخوف كائن مخادع، وهو الذي يقول لنا إذا تسلحتم بي فلن يصيبكم مكروه، ويؤكد علينا دائماً بمقولة: (ابعد عن الشر وغني له). نحن نستمر في إحضار الخوف، والسكن في منازله، والعيش في أحضانه، لأنه يجعلنا مطمئنين من ألا يصيبنا العقاب من الآخرين. لقد زرع الخوف في قلوبنا، ونحن في نعومة الأظافر، وقالوا تحروا الدقة في كل خطوة تخطونها، ولا تغادروا المنازل إلا مع من هم أكبر منكم، فأنتم ليست لديكم تجربة، وتنقصكم القدرة على فهم مجريات الأمور. ونحن لأننا صغار صدّقنا، وولّينا وجوهنا صوب قبلة الخوف، وأصبحنا جزءاً من هذا الكائن السحري، أصبحنا نشارة خشب تتبع موجة باتجاه سواحل مكتظة بالنفايات.
نحن نخاف لأننا قيل لنا الخوف رحمة، ومن يخف يتجنب الأخطار. ومن لايخف فقد يرتكب أخطاءً تؤدي إلى دماره ودمار الآخرين، والخوف المتوهم هو حالة مثلى لصورة رسمت على جدار بملامح شائهة، ولكنها قد توحي بخيالات مختلفة، تؤدي إلى عقد صفقة غير مربحة مع الخوف.
الخوف في حد ذاته، يصيغ لوحة الخوف، والخوف نفسه هو الذي يجعلك تخاف، ولكنك لا تعرف من تخاف، إلى حد أنه يجعلك كتلة من الخوف تمشي على الأرض.
الخوف يمنعك من اتخاذ القرار، والخوف يقف حائلاً بينك وبين صناعة المستقبل، الخوف محيط مزدحم بالصور الرادعة لأية خطوة إيجابية، والخوف صحراء لا تمنحك غير الشح، وتجعلك ممتلئاً بالإحجام، ولا سبيل لك في الوجود غير زراعة الأحجار، لمنع مرور الرياح باتجاه حياضك.
الخوف صناعة بشرية بامتياز، صاغ حكايته إنسان أناني، بغيض، بهدف الاستيلاء على إرادة الآخرين. الخوف كذبة بشرية مصنوعة من قماشة رديئة، بهدف عزل الإنسان عن قدراته، ومنع تدفق الماء في شرايين الجدول، وكبح جماح الخيول كي لا تصل إلى مناطق العشب. الخوف فكرة من وحي عقل متغطرس، ونفس شريرة.