بعض العقول مستبدة، مثل (كعب قرط). ويقول الفيلسوف الإغريقي بروتاغوراس: (إذا كان العقل مستبداً، فالصحوة مستحيلة).
بعض العقول مثل نشارة الخشب، جافة، وغير قابلة للتطويع. عندما تواجه مثل هذه العقول، فأنت في منطقة جافة وحارة، تلهبك، وتحتلك بمخالب حادة، مثل سكاكين المذابح.
عندما تكون في حضرة العقول المستبدة فأنت أمام خيارين، أحلاهما مر، فإما أن تخنع وتقبل بما تتيحه لك هذه العقول وتصبح إمعة، تتبع الظلال، وتختفي تحت غشائها الرمادي، أو أنك تجنح، وتجمح، ولكن لن تنجح في الإفلات من جموع المشاعر العابسة. عندما تكون في حضرة العقول المستبدة، فأنت تغادر منطقة العقل، وتدخل في حومة الدوران حول النفس، تكون في دائرة مغلقة، لا هواء فيها، ولا ماء، أي أنك في الفراغ اللامتناهي، أنت في الدائرة القطبية المتجمدة.
عندما تستولي عليك العقول المستبدة، فأنت تحت السطوة واللظى والتشظي، أنت تحت الماء العميق لا تتنفس، ولا ترى غير أصبعك، أنت في الأتون الغامقة، أنت في الأعماق الصاعقة، أنت تتحدث بلسان غير لسانك، وترى بعين غير عينك، وتسمع بأذن غير أذنك، وتحس بإحساس غير إحساسك، أنت في عالم غير عالمك، أنت في زمن غير زمانك، أنت كائن مشوه، ومسفوف مثل سعفة يابسة، ومجلود مثل حبل مهترئ.
أنت في معية العقول المستبدة، لا تملك غير الطاطأة، والمأمأة، والابتسامة الصفراء، أنت لا تعرف إلا ما يعرفه العقل المستبد، ولا تعي غير ما يلقيه عليك وعيه. العقول المستبدة، مثل الموجة العاتية، لا تلقي عليك غير الزبد، ولا تسمعك غير الهدير، لا تريك غير بقايا كائنات نافقة.
العقول المستبدة، تريدك أن تكون كما هي كائنة، ولا تعترف في الاختلاف، العقول المستبدة، أضاعت حضارات، وأبادت كيانات، وقضت على أصول وفصول وحقول وعقول، وجذرت في وجدان الناس، بؤساً ورجساً ونحساً وبخساً.
العقول المستبدة، مثل من يعيش في الكهف، لا يرى غير شبح الظلال، فيخاف من رؤية العالم؛ لأنه يظن أن العالم ليس إلا شبحاً عملاقاً، لا بد من تجنبه.
العقول المستبدة لا تعترف بالنور، لأنه يفضحها، ويفصح عن مثالب لها، ونوائب، العقول المستبدة تعيش في الخوف ولا تهنأ برؤية الآخر، ألا وهو مثل طيات الحصير القديم.
العقول المستبدة تختزل الزمن بدقيقة نعم، من كائن لا يقوى على (اللاء). العقول المستبدة واهمة وليست حالمة.