كان عاماً للتسامح، أظهرت خلاله الإمارات تجذر هذه القيمة في أرضها وتاريخها وثقافتها، وأعادت إلى المنطقة الثقة والأمل، بعد سنوات أطبق فيها اليأس والأسى، وظنّ التطرف أن هذه الجغرافية منذورة للخراب والقنوط فقط، وأن الفرصة سانحة لمزيد من الكوارث والدماء.
كان عاماً مشهوداً للأخوة الإنسانية، وشاهداً على توقيع وثيقتها التاريخية بين البابا فرنسيس، بابا الكنيسة الكاثوليكية، وشيخ الأزهر، الإمام الأكبر أحمد الطيب، في أبوظبي، في حضور أبرز القيادات الروحية في العالم، بحثاً عن تعظيم الجوامع المشتركة بين أتباع الديانات الإبراهيمية، وتحسس المخاطر المحدقة بالبشرية، وفي مقدمتها التشدد والإرهاب والفقر، وسعياً إلى تكريس مبادئ العيش المشترك، واحترام التنوع، والخصوصيات الدينية والثقافية.
كان عاماً للإمارات، لقيادتها التي رفعت بنيان التآخي الإنساني على القواعد التي وضعها رمزنا الكبير زايد الخير، رحمه الله، ولشعبها الذي آمن بالانفتاح والتنوع والوسطية، وقرر أن يعلق الجرس، لتضميد الجروح التي فتحها التطرف في هذه المنطقة من العالم، وأدمى فيها الإنسان، وجعله نهباً للتنافس بين مراكز التشدد ورعاية الإرهاب.
عند «صرح زايد المؤسس»، وقع بابا الكنيسة الكاثوليكية وشيخ الأزهر وثيقة «الأخوة الإنسانية». وعلى امتداد أرضنا، كان الإماراتيون يزرعون «الغاف» رمزاً للتسامح والتعايش، وأنجزنا في هذا العام بنية مؤسسية لخطاب عقلاني، يتأسس على الاعتدال والتسامح، وينبذ الكراهية والتشدد، ليمتدّ عام التسامح في حاضرنا ومستقبلنا، وقد أدرجنا رؤيته ومفهومه وثقافته في مناهجنا الدراسية، وفي خطابنا السياسي والإعلامي.
أمس، احتفل العالم بعيد الميلاد المجيد، واستذكر الأشقاء والأصدقاء المسيحيون المقيمون في الإمارات صوراً نادرة من القداس الديني الذي شهدته مدينة زايد الرياضية في فبراير الماضي، وترأسه البابا فرنسيس، في حضور أكثر من 75 ألف مؤمن، واستذكروا تجاور المساجد والكنائس على أرض الإمارات منذ عقود طويلة، فيما هنأت قيادة الإمارات أتباع الطوائف المسيحية بالأعياد المجيدة، واستقبل صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان عائلة الطبيبين الزوجين بات وماريانا كينيدي، مؤسسي مستشفى «كند» اللذين أسهما في تطوير الرعاية الصحية، خاصة لحديثي الولادة في مدينة العين منذ ستينات القرن الماضي.
مستمرون في ما نراه ضرورة لمستقبل بلادنا، وماضون في تصويب ما علق بهذه المنطقة وشعوبها من أخطاء الماضي والحاضر. لا يثنينا عن هذا العزم شيء، مهما أمعن التطرف في غيه وظلامه، ومهما ازدادت ضراوة الحملات الدعائية على بلادنا، فقد اخترنا «الأخوة الإنسانية» نهجاً ومنهاجاً، وقدر الضوء أن يبدد كل عتمة.
كل عام وأنتم بخير يا أشقاءنا المسيحيين العرب، ويا أصدقاءنا في كل مكان تُضاء فيه أشجار الميلاد في العالم.