«زماناً حين كنت بها أمر/ عيوني حين تبصرها تسر/ وقلبي يستريح لها طروباً/ لأن جمالها الأخاذ نضر/ ومذ نبتت تعهدها كريم/ كأن يمينه المعطاء نهر/ غدا الطلع النضير لها نضاراً/ فذا رطب وذاك الغصن يسر» صاحب هذه القصيدة، الشاعر المرحوم محمد خليفة بن حاضر، أضاء زمنه بكل جميل في عالم الشعر والثقافة والوعي والفكر، لم يمهله الزمان لإكمال مسيرته النضرة الكريمة وعالمه الإبداعي، مبكراً ودع الأهل والأحباب والأصدقاء وترك الذاكرة وقصائده الجميلة ومواقفه الشجاعة في الكثير من القضايا الاجتماعية والوطنية، مخلصاً لبلده ومشاركاً في العديد من المهام الرسمية وناشطاً مؤثراً في عالمه الشعري بالعديد من القصائد الرائعة الجميلة، ومنها هذه القصيدة التي تصف نخلات أبوظبي، تلك النخلات الصاعدة إلى كبد السماء «عوانات» جميلة حرست قصر الحصن زمناً طويلاً وكانت علامات بارزة في رملة البطين البيضاء والتي تشبه قلائد الفضة ودنانيرها القديمة، وحدهم المحبون وأهل أبوظبي القدامى يتذكرون تلك النخلات المعانقة لفضاء مدينة أبوظبي، ربما لا يتذكرها الشباب الجدد والناس الجدد الذين تعج بهم الآن مدينة أبوظبي، رملة البطين من يعرفها غير أهلها والمحبين أيضاً من أهلها والتي فرقتهم الحياة بين مدينة العين ودبي ومدن أخرى، أولئك العاشقون القدامى تعني لهم قصيدة الشاعر محمد بن حاضر الشيء الكثير، أنها صورة بديعة عن البيئة القديمة لمدينة تصعد إلى السماء والمزدانة بالجديد الجميل الآن، القصيدة طويلة تصف الحياة في أبوظبي وتظهر نبل اليد الكريمة والعظيمة للوالد المغفور له، بإذن الله تعالى، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، التي عمرت وبنت هذه المدينة، بل المدن كافة، وخاصة مدينة العين التي تحولت في عهده إلى مدينة الخضرة والماء والزهور، ثم قيام وتأسيس دولة الإمارات العربية المتحدة، ولعلها مناسبة جميلة أن نعيد قراءة هذه القصيدة في عام زايد تخليداً لذاكرة عزيزة ومدينة عزيزة. الشاعر بن حاضر يكمل قصيدته بأبيات جميلة ورائعة، حيث يقول: «ملاذاً للصوادح والشوادي/ ومهوى للسرور به يقر/ نخيلات البطين، عليه نوحي/ فتى حراً له الإحسان ظئر/ مضى من كان للظمأى/ معينا../ ضريب النخل دون تداه مر/ مضى من كان لا يرضيه حمد/ على بذل ولا يغريه شكر/ أحب المجد عمراناً فأعلى/ أحب المجد عمراناً فأعلى». هكذا يقدم لنا الشاعر صورة عظيمة نيرة عن أبوظبي وباني أبوظبي الحديثة، دائماً يرحل المبدع، الشاعر والأديب ويظل ما تركه لوطنه من مساهمة وإبداع حاضراً لا يموت ولا يغيب عن الذاكرة.