التاريخ في بلادنا سلسلة من حبات المطر، تروي الحياة بسقيا لا ينضب ماؤها، لأن القلوب عاشقة للنماء والازدهار، ولأن العقول نجوم تضيء الدرب فيستمر المسير إلى ما نهاية. في الزمان القديم كان (المطارزي) يقوم بدور المصلح الاجتماعي المكلف من الحاكم وولي الأمر، كان يعيش بين الناس ويتلمس حاجاتهم ويحل مشكلاتهم، ويشذب ما يذبل من مشاعرهم، ويهذب ما يشذ من أخلاقهم، ويمضي بهم إلى رغد العيش، بحيث لا يترك مهموماً يكابد همه بمفرده، ولا يدع مكظوماً يعاني شجنه، ولا يصد عن مهضوم أرهقه كمده. هذه السمات الاجتماعية الجميلة تنتقل اليوم إلى بيت الشرطة المجتمعية وبحداثة لا تخل بالمعنى، ولا تغفل عن المضمون، ولأننا نعيش في دولة التنوير والحداثة، فإن الشرطة المجتمعية أخذت على عاتقها ما توارثه الجيل الجديد عن الأجداد مضافاً إليه ما يلائم المرحلة وما يتسق مع متطلبات العصر، بالاستفادة من الإمكانيات التي تتمتع بها بلادنا بفضل ذوي الفضل الذين سخروا كل ما يمكن الاستعانة به لخدمة الوطن، لأجل إنجاح المشروع الوطني الرائد، تحت مسمى الشرطة المجتمعية. هذا التواصل مع الماضي، وما له من مآثر ومسابر ومخابر وأواصر وأحلام، تجاوزت حدود الواقع لتجاور المستقبل بكل جدارة وتفوق واقتدار، جعل من الوطن يتجه إلى المستقبل وهو مزهى بثقافة التصالح مع المراحل التاريخية من دون حرق المراحل، ومن دون قفز على الحواجز العالية، ومن دون رهق أو رهط، إنما الذهاب إلى الحياة بقلوب آمنة مطمئنة تحفها بساتين الثقة، وتظللها أشجار الثبات، وتحيطها أنهار الازدهار، وتملؤها أزهار الشفافية بعطر زكي، أصبح هو سمة السياسة الإماراتية في معالجة القضايا الجوهرية، والتعاطي مع المواقف الصعبة من دون رجفة أو خفة، بل هناك خفقات القلب التي تضع المعقول في صلب الهدف الأسمى، وتزرع الأمنيات مثل ما هي النخلة عند ضفة النهر. عندما نرى أبناءنا من رجال الشرطة المجتمعية وهم يرفلون بلباس البهجة، تزهر أسارير قلوبنا ويملأ أرواحنا الفرح، لأننا نسوق جمالنا في مرعى الخير والعشب القشيب هو ما يرطب قلوب هؤلاء الأفذاذ، أنجال الجيل النبيل من الآباء والأجداد، نفرح بهم وتتجلى في نفوسنا أجمل المعاني، لأننا في بلد يضع الماضي في راحة المستقبل، ويمضي ليرسم الصورة المثلى لمجتمع الشرطي فيه لم يعد حارساً للأخلاق، وإنما هو ساق لجذورها. هذه الأخلاق هي أخلاق الأولين، تنمو كجذوع الشجر، لتكبر وتصبح بحجم طموحات بلد التميز والاستثنائية.