في الصين مليار وثلاثمائة مليون نفس بشرية تتحرك على قارة عشبية محاطة بسور عظيم، وفكر أعظم، نسجت خيوط السور سواعد صينية بحتة، وخاط قماشة الفكر الرجل الأخلاقي الأول، ومؤسس فكر الإنسان الطبيعي، وخارج إطار التبعية للمستقبل. كونفوشيوس حاربته الملكية الصينية، وبعد حين احتضنت أفكاره حتى أصبح الملايين من أبناء الصين يؤمنون بعقيدة هذا الفيلسوف والمصلح الاجتماعي حتى أطلق عليه «نبي الصين»، ولم يقتصر الأمر على الصين وحدها بل عبرت أفكار كونفوشيوس إلى كوريا المجاورة واليابان، وفيتنام، حيث انسجمت أفكار الفيلسوف الإنساني مع طبيعة النسق الاجتماعي في هذه المنطقة من العالم لما تختزنه من أساطير حالمة بالحب، منغمسة في الوجود بطريقة استثنائية، وفريدة، وكما قال الفيلسوف الهندي (أوشو) الحب نبت في الشرق، وترعرع، وأثمر شعوباً تنسج الأحلام، كما يكتب طاغور الشعر، لم تغادر العقيدة الكونفوشيوسية العقل الصيني، واستمرت لمدة عشرين قرناً أي منذ القرن الأول قبل الميلاد، وحتى القرن التاسع عشر، وفي القرن العشرين لما اتجهت الصين نحو المستقبل، لم تتحلل من معطف كونفوشيوس، بل أصبح في بردها هو الدفء الذي تبحث عنه وتحتضنه، فيحتويها ويحفظها من التشرذم، والضياع في عالم تغيب فيه الشمس عندما تشمر غيوم الأوهام عن سواعد الأنا المحتقنة، لم تتطور الصين، ولم تصل إلى هذا الامتداد الاقتصادي المذهل لولا وقوفها دوماً عند ضفاف كونفوشيوس، وسماع هفهفات أوراق تعاليمه القيمة الداعية إلى حب الإنسان للإنسان، وانتماء الإنسان إلى الطبيعة، وعدم المساس بثوابتها، أو عرقلة مخلوقاتها وهي في طريقها إلى الحياة. الصين اليوم تمضي حقباً باتجاه المستقبل، منفتحة على الوجود مثل أزهار اللوتس، معبقة المحيط الإنساني بأجمل وأنقى العطور الثقافية، ومن هنا تأتي زيارة فخامة الرئيس الصيني إلى الإمارات، تعبيراً عن التقاء إرادتي البلدين، نحو الانفتاح على الآخر وتشذيب أوراق الحياة، وترتيب المشاعر الإنسانية، بحيث تتلاءم مع متطلبات المستقبل، وحاجة الشعوب لعلاقات دولية تنمو على تربة خصبة، تساعد على نمو الأشجار السياسية المعمرة، حماية لبيئة الإنسان من التأخر عن قطار الطموحات الكبيرة، والآمال العريضة. الإمارات والصين منهج في الحياة عماده التصالح مع الذات، والعبور إلى الآخر من دون رواسب، والأحلام الزاهية هي المحيط الذي تعبر من خلالة سفن التطور، والانفتاح نحو المضايق الأخرى.