ما بين السعادة والتعاسة، خيط مثل لسان النار. المتقدون محتقنون، مأزومون، متمزقون، هم مثل قطعة أثرية، غطّاها الغبار بالإهمال. أما السعداء هم الذين غادروا منطقة إطلاق النار، واستقروا في مكان ما فيه درجة البرودة، تعادل درجة النسائم في أي مدينة أوروبية لم تسقط عليها الشمس، ألسنة اللهب.
السعداء هم الذين نظّفوا السواحل من الطحالب والزبد، واستقلوا قوارب لا تجنح إلى مكان تلاطم الأمواج. التعساء حملوا على ظهور الركاب أعشاباً شوكية، وذهبوا إلى بطحاء، فخبت الركاب، ورضت، وخضت، وانطفأت عيونها، وخبأت تحت الجفون سعار الأيام والأوهام، ولم تجد معها لغة الهش والنبش، بل توقفت عند مرحلة ما بعد الولادة العسيرة.
التعساء، أشخاص يحملون في داخلهم كتلة من اللهيب، ويمضون في الحياة مثل أسلاك كهربائية من دون أغطية، يمضون وهم في حالة من الوهن والهوان والاستهجان، هم أشخاص سقطوا في الجحيم، ظناً منهم أنهم يضعون أناملهم في قاع المحيط.
التعساء، أشخاص لا يعرفون أنهم في قلب الوهم، التعساء لا يعون أنهم خارج الحياة، وأنهم في صلب الفراغ اللامتناهي.
السعداء، مثل ماء الآبار في بقعة من الأرض، لم تطأها أيدي الغوغائية، ولا الدهماء، السعداء، مثل غابة لم تعبث بها مشاعر التخريب والتسريب، وتهريب أحلام الطير إلى ما لا نهاية من الغثيان.
السعداء، تخلصوا من الرغبات، ولجموا أفواه الجشع، وأحجموا عن السباحة في بحور الطامات الكبرى. السعداء هم الذين لا يقعون في
غضب الرياح، ولا يسقطون في عسف الانزياح، هم في المنطقة الآمنة، ولا تثير حفيظتهم الأبواق، ولا أشواق النهار المزدحم بالأضواء، والأنواء، والأهواء، والأرزاء، هم فقط مثل الوردة البرية، مكتفون بالنسمة الآنية، هم يعيشون اللحظة، ولا يعنيهم ماذا يخبئ الغد. هم أشخاص بلا ذاكرة مثخنة بجراح المعارك اليومية. التعساء عربات، لحست جل غبار التاريخ، واختفت تحت الركام، ولا تستطيع الخروج من فوهة الخراب الداخلي. التعساء مثل أزقة رملية في قرية قديمة، لا يستطيعون التحرر، رائحة الجدران المتهالكة، ولا يستطيعون التخلص من مشاهد النحيب، لأرامل فقدن بعولهن في حومة الصدف المباغتة. التعساء، كائنات تتغذى على الإحساس بالفقدان، وتتنفس حالة الأسى، مثل أرنب كسول. التعساء سعفة أثنتها الريح في ليلة هوجاء، ولم تجد ما يعيد لها الصواب. التعساء، يكسرهم الوعي الخرافي، والسعداء ينعمون بعقل لم يفارق وعيه.