عندما ترى وجهاً مشرقاً، وقلباً منشرحاً عند الموظف، في أي موقع وظيفي، فتأكد أنه سيغادر مكانه في إجازة سنوية، أو حتى طارئة. هذا الإحساس يعبر عن رغبة في التخلي عن الارتباط بعمل ما، إنه حاجة نفسية يتميز بها الموظف العربي عن سواه في العالم، لأنه ينتمي إلى فصيلة اللا مسؤولية، على الرغم أن بعض الوظائف في كثير من المؤسسات هي بطالة مقنعة، ولكن لمجرد شعور الموظف أنه سيصحو غداً وسوف يذهب إلى العمل، يولد لديه رغبة سلبية تجاه العمل، وهذا الأمر ينسحب على الطالب، وكذلك ربة البيت التي تفكر ماذا ستقوم به من عمل منزلي، وعلى الرغم من أن الكثيرات بلا عمل سوى المناطحة مع الخادمات، والزعيق والشهيق الذي يقطع الأنفاس، وأنفاس الزوج أولاً الذي يفتح عينيه في الصباح على صراخ يصم الآذان. عندما تلاحق هذا السلوك بعين المراقب، تجد أن هناك قاسماً مشتركاً بين الناس هنا، رجالاً ونساءً وطلاباً، وحتى المتقاعد ينتابه الشعور بالبؤس لمجرد أنه سيصحو غداً وسيذهب إلى السوق ليلبي مطالب الزوجة، صحيح أنها مطالب مثل زخات المطر في المناطق الاستوائية، ولكنها ولو قلّت، تمثل أيضاً عبئاً على ضمير من لا يحب المسؤولية، وما يثير العجب ويملأ الفؤاد بالنكب، أنك في بلد مثل اليابان، فإن المسؤول إذا أراد أن يعاقب الموظف منحه إجازة، وكلما كانت الإجازة أطول، كلما كان العقاب أشد قسوة على هذا الموظف الذي يعتبر العمل الوظيفي، حياته التي تكسبه سبب وجوده على هذه الحياة. أمر غريب وعجيب ومريب، أن يعشق الإنسان عندنا اللا عمل، وهذا ما يجعل الآخر متقدماً في كل مفاصل الحياة، لأن الوظيفة عندما تصبح مكاناً للملل والسأم والضيق والنفور، يصبح الإنجاز مثل خرقة قديمة لا قيمة لها، ولا تقدم إضافة إلى ملبس الإنسان. وأعتقد أن هذا الإحساس العدمي، مرتبط بالتربية، فنحن وبالذات في هذه المرحلة من حياتنا، أصبحنا نعلم الأطفال سلوكيات سلبية تجاه الحياة، فالطفل عندما يصحو في الصباح ويرى أمه منشغلة بشؤون تمليس الأصابع، والأب ينهض من نومه متثاقلاً ويكيل الاتهام لمديره الذي يرهقه بمطالب الوظيفة، فإن هذا الطفل لا بد وأن يرضع مثل هذه السوائل التي قد لا تلفت نظر الأبوين، ولكن الأبناء يستوعبونها بسرعة البرق، وتصبح من الثوابت في حياتهم، وينشأوا على هذا المنوال السيئ، وهم في نهاية الأمر رجال الغد ونساؤه، وإذا لم يتشربوا حب المسؤولية، تكون النهاية سوداوية إلى حد الحياة الفضفاضة، والأشبه الثوب الفضفاض الذي يشوه ولا يجمل.