كل المجتمعات نراها تنهض من عثراتها، وتتغلب على انكساراتها وهزائمها، إلا المجتمعات العربية، ولا من سبب واضح يمكن أن نطرحه للمناقشة، إلا الغُلب، وهشاشة في الداخل، بحيث لا تجد تلك النفوس الأبية إلا فيما سطّره التاريخ يوماً ما، وكأننا في قطيعة مع الماضي إلا التغني به، واجترار قصصه لعزاء النفس، لا للعظة، وتجاوز محن الحاضر، مثلما فعل الشعب الياباني، وفعلت الشعوب الأوروبية، وفعلت بعض شعوب أميركا اللاتينية، لقد أعجزت حالة العرب المنظرين والمفكرين، حيث لا شيء غير الجهل العام، وعدم الوعي المستشري في المجتمعات، وحين تهم بعض المجتمعات كالخليجية باحثة عن أفق جديد، ومواكب لروح العصر، تجد ألف من يتصيد، ويرمي بحجر كل خطواتهم، ويستهزئ بمنجزاتهم، ويحاولون أن يحطموا ما عجزوا عن تحقيقه بمشكلاتهم السياسية وتخبطهم الاقتصادي والتنموي، حتى إن بعضهم ممن عاش واعتاش هنا وهناك، تجده يشهر خناجر نكران المعروف، ومعنى قيمة البر والإحسان، وتعجب ممن يسيس حتى الخدمات الإنسانية والأعمال الخيرية، ويشكك في مقاصدها وتوجهها، بالرغم أنهم أنفسهم هم المناعون للخير، ولا يحركون ساكناً في فعل الجميل، غير تلك الألسنة الحداد المسلطة على الناس الذين يريدون أن يعملوا شيئاً جميلاً في الحياة العربية غير الكلام والثرثرة والهمز واللمز وإنقاص الناس حقوقهم، وشعورهم بالسعادة، لأنهم يصنعون الفرق من أجل الجميع، هذا هو حال بعض دول الخليج التي تقتص من نفقاتها وميزانياتها ومداخيلها المستقبلية من أجل أخوة وأشقاء في الدم والدين واللغة وعوامل اجتماعية أخرى. حالنا وحال بعض الدول العربية، هي كحال ذلك العربي الذي وجد عربياً ضائعاً في الصحراء لا ماء ولا زاد، ويكاد أن يهلك في تلك الفلاة المنقطعة، فنزل الفارس العربي عن فرسه، وأسقاه من قربته، وأطعمه من زوادته، وجالسه حتى تعافى من مصيبته، وهو ينوي صباح الغد أن يحمله على راحلته ليوصله إلى منازل عشيرته، لكن حين جنّ الليل واسودت ظلمته، غافل ذلك الجاحد الفارس في ساعة راحته، واستولى على فرسه وزاده واخترط سيفه يريد قتل الفارس الذي أحسن إليه، فترجاه الفارس العربي أن لا يفعل، ليس جبناً، ولا قلة حيلة، ولا خوفاً من الموت، ولكن لشيء واحد، ووحيد، وهو أن لا تصبح فعلته سُنّة عند العرب إن تسامعوا بها، فينقطع المعروف بينهم، ويذهب الإحسان عن شيمهم!