شيئاً فشيئاً، تتخلص كأس العالم من ثوابتها.. تصبح أكثر رحابة وربما أكثر عدالة.. تتسع للطامحين، كما تحجز مكاناً دائماً للكبار.. باتت تنحاز لأولئك المكافحين الذين ينتظرون فرحة ربما تغير الكثير من الملامح، وتصبح قصة يتداولها البسطاء الباحثون عن فرحة. الليلة.. ليلة النهائي التاريخي، بين فرنسا وكرواتيا.. نهائي استثنائي، يشهد مشاركة طرف يزاحم الكبار لأول مرة، هو المنتخب الكرواتي، الذي وصل إلى صراع العرش بالعرق والكفاح والإصرار من أول مباراة. يميل التاريخ لصالح فرنسا، التي تلعب النهائي الثالث، بعد نسختي 1998، و2006، والتي التقت المنتخب الكرواتي في خمس مناسبات سابقة، فازت في ثلاث منها، وفرض التعادل نفسه في مناسبتين، ولكن متى كان التاريخ وحده هو الفيصل، ولو كان كذلك، ما عبر أبناء البلقان كل الذين عبروا.. لو ركنوا إلى التاريخ ما وصلوا إلى هنا.. التاريخ قابل دائماً للكتابة من جديد. المواجهة النهائية الليلة، ليست سهلة على الإطلاق لأي طرف، وإذا كان التاريخ يساند فرنسا، وأيضاً إرهاق كرواتيا التي لعبت أكثر من مباراة إضافية، بسبب التمديد في آخر ثلاث مباريات خاضتها في البطولة، فإن لدى كرواتيا الكثير من الأوراق، أولها أنها وقد لامست المجد لن تفرط فيه بسهولة، وثانيها خط الوسط الناري الذي تمتلكه بقيادة الملهم لوكا مودريتش، وغالباً ما كان خط الوسط حاسماً في مواجهات وتحديات كتلك.. يذكر الإسبان كيف أن هيرنانديز وإنييستا وتشابي قادوهم إلى مونديال 2010، ويتذكر الألمان كيف أن كأس البرازيل الماضية دانت لهم أولاً بعطاء شفاينشتايجر وتوني كروس وماريو جوتز.. الوسط عمود الخيمة، والخيمة الكرواتية راسخة ومتينة، ولديها قدرة كبيرة على احتمال أعاصير الفرنسيين. تتذكر فرنسا وكرواتيا الليلة.. ما حدث في نصف نهائي 1998 وتحديداً في الثامن من يوليو من ذلك العام، وكيف استطاعت فرنسا بقيادة نجمها التاريخي زين الدين زيدان أن تعبر الكروات إلى النهائي بهدفين مقابل هدف، لتمضي الديوك إلى اللقب وقتها بثلاثية تاريخية في شباك البرازيل، لكن كرواتيا اليوم، أفضل كثيراً من كرواتيا 98، والمباراة اليوم هي النهائي.. إذن هي تستحق أكثر مما رأينا. الليلة ليست ككل ليالي المونديال، حتى تلك النهائيات في النسخ الماضية، فالنهائي الروسي يفرض قوة جديدة على مسرح الكبار، باتت أملاً لكل من يشبهها.. كل الذين ذهبوا وعادوا بخفي حنين.. كل الذين فرض عليهم القدر أن يظلوا عقوداً في مقاعد المتفرجين.. الناس تمل التاريخ المعاد، والأحداث المكررة، وإذا كانت فرنسا المرشح الأول للعبور إلى الكأس، فالتاريخ لا يُكتب من جديد إلا هكذا، ومن أراد النجوم عليه أن يرتقي السحاب. ** كلمة أخيرة: العبور إلى كأس العالم يحتاج إلى ما هو أكثر وأعمق من اللعب