ما أجمل أن تأتيك الأخبار من تنانير صناعتها، في اللحظة والثانية التي يتم إخراج الرغيف من موقده.
ما أحلى أن تكون حاضراً في المشهد الإخباري، وأنت تتكئ على أريكة المخمل الدافئ، وفي يدك كوب الكاباتشينو، ترشف ثم تقطف من شجرة الأثمار اليانعة ثم تلتفت إلى صديق، أو قريب لتعلمه أن حدثاً ما قد تفجر في بقعة من العالم، وأنت في هذه الساعة، يقع العالم بين يديك، وعينيك وأذنيك.
ما أروع هذا الاختراع الذي جعلك مثل الفراشة، تحيط بالزهرات، وترشف من رحيقها ثم تنطلق لتبث الخبر المهم إلى الزوجة، والولد، والصديق، وكل أحد، أنت تملك ألباب العالم، ووجدانه، وكيانه، وبنيانه، وشأنه وفنه بفضل هذا الجهاز السحري، الذي أبدعه عقل عبقري، أراد من خلاله توسيع رقعة الوعي، وإشاعة العلم بين الناس أجمعين.
ولكن كل ما يخيب الأمل، ويدفن هذا الاختراع النابغ في الحفرة السوداء، هو هذا الخروج عن طائفة العقل، والدخول في اللاعقل، هو هذا الأفيون المنتشر في الأذهان، كانتشار النار في الهشيم، هي هذه البذاءة، والسذاجة والتدني في تناول هذا الجهاز، بأيد مرتجفة، تتطلع إلى مشاهد أدنى من حدود الحشرة الحمراء، التي تنخر جذوع النخل، وتطيح بالأخضر لتحيله إلى يابس أعجف.
ما يثير الفزع هو هذا التنوع في خربشات الوعي، والتهور، والتضور، والتجذر في تسفيه الإبداع وتسويف ما اخترعه الإنسان لأجل الارتقاء بمشاعر الإنسان، وعقله.
ما ينزع إلى تدمير الذائقة البشرية، هو هذا الإسفاف، والاستخفاف، والإجحاف، بقيمة الإبداع الإنساني وتحويله إلى أداة هدم، وتسويق لأفكار بدائية، وترويج لشعوذة، مهرطقين، ومطقطقين، ومخرفين، ومجدفين، ومنحرفين، وسادرين، وغادرين، أصبحوا اليوم يتصدرون المشهد بصور بلهاء، وأشبه ما تكون بصور متعاطي الممنوعات في شوارع التيه، في البلدان العشوائية.
ما يحدث اليوم في مواقع التواصل الاجتماعي، ينذر بخطر انتزاع العقل من العقل، فاليوم دخل على هذه المواقع، الغوغاء، والدهماء، والعشواء، والشعواء، والبلهاء، وقد ألقيت على المشاعر، نفايات تاريخية لم تشهد لها الحضارة الإنسانية مثيلاً.
اليوم أصبح من مشاهير هذه المواقع، من ينقل أخبار، الأزقة الخلفية، وما يدور في هاوية الواقع وكل ما يسيء إلى الوجدان البشري.
هذه المواقع، حقاً، بمخالب، وغداً سوف نشهد ما هو أسوأ، وأنكأ.