هذا أو تلك يعيشان مراهقة متأخرة، وينشدان واقعاً غير الواقع، ويذهبان بقلبيهما نحو مجرى الماء دون أن يحسبا مدى وحشية الجدول عندما تكون الأمطار غزيرة، والسيول جارفة.
هذه، وذاك يحاولان اختطاف اللحظة بمخلب الفحولة المزيفة يمضيان في الحياة كفراشتين وهميتين. أسطورة الرجوع إلى الخلف، والعودة إلى الماضي، واقتطاف وردة من بستان أعجف، هي خرافة بشرية، تراكمت عبر التاريخ، بصورة جدلية عقيمة وسمجة.
هذا وتلك أرادا أن يديرا عقرب الساعة، إلى الوراء، لعلَّ وعسى أن تشرق الشمس مرة ثانية، وتعود الطيور إلى الشجرة، بعد أن فرت من قسورة روماتيزم المفاصل وضغط الدم، وانثناء الأعواد الجافة.
هذا وتلك أرادا أن يعيدا الميت إلى الحياة، فشيدا له نعشاً من رخام الصور الخيالية المبهرة.
هذا وتلك غرقا في بحيرة أفكارها اسماك نافقة وزعانفها مجاديف قارب فارق الخدمة منذ زمن عاد وثمود، ومنذ أن عكف غاندي على صورته في الماء، وقال إن الحياة مثل الصورة في النهر، تصفو إذا صفا، وتخبو إذا تلوث.
هذا وتلك عكفا على صورة اختبأت تحت رمال كثيفة منذ أن غادر الصبا مكانه، وذهب إلى اللاشيء، ولكنهما ما يزالان يركعان، ويسجدان لحالة فائتة، وقد تراكم عليها الغبار، واستعرت بنيران ألم فوات الأوان.
هذا وتلك مثل خرافة تطير بأجنحة ازدهر فيها الجهل وترعرع فيها وعي أشبه بنخالة القمح، أشبه بحثالة القهوة العربية.
هذا وتلك خرجا من الحياة بفكرة أن العمر يمضي، وتنطفئ أضواؤه ولكن القلب يبقى مثل محارة مفتوحة على أعماق البحار، تنتظر كائنها الحي يعود أدراجه ليختبئ في الحضن الدافئ.
هذا وتلك لا يزالان في حلم الطفولة، مثل أعمى تسربت إليه صورة موئله من تحت جفنين معتمين ولكنه لم يفقد الأمل في الوصول. إنهما في صلب الأمل، ولكن عندما يصبح الأمل مجرد قصاصة ورقية، تطير في الهواء فلا قيمة له، ولا معنى للطيران خلف أوراق تشبه الطائرات ولكنها ليست طائرات.
هذا وتلك مثل الميت السريري يعيش على التنفس الصناعي، ويخفق قلبه ولكنه ليس قلبه، أنه قلب الجهاز المعلق فوق رأسه، إنه مصادفة الحياة، مع حتمية الموت المؤجلة.
هذا وتلك يعيشان حياة التأجيل، ورغم كل ذلك، فهما يجلبان الربيع في فصل الخريف، ولون الورد الباهت بابتسامة تخرج من بين شفتين ذابلتين، وبريق معفر بغبار الريح الصرصر.
هذا وتلك يحملان راية النصر في غضون هزيمة منكرة، هدمت أواصر الحياة، في جسدين منهكين بفعل اللهاث خلف ظل شجرة محاصرة برمضاء السنين العجاف.