من يشاهد حالة «الحمى» المسيطرة على العالم هذه الأيام، من القطب الشمالي حتى الجنوبي، سيعرف لماذا كرة القدم هي اللعبة الأكثر شعبية، مع كامل احترامي لبقية الألعاب. رؤساء دول وزعماء وقادة ومشاهير وأناس عاديون تجمعوا على متابعة مباريات البطولة، وترك البعض أشغالهم، وأجّل البعض إجازاتهم، ومنهم من جعل روسيا وجهته السياحية، ليضرب أكثر من عصفور بحجر، فمنها سياحة، ومنها رياضة، وحتى أهل الفن لم يجرؤ معظمهم على طرح أغانٍ أو عرض أفلام ومسرحيات خلال شهر المونديال، لأن المفاضلة لن تكون في مصلحتهم أبداً، فمن ذا الذي سيحضر فيلماً أو مسرحية في وقت تلعب فيه البرازيل مع بلجيكا أو البرتغال مع المغرب أو السعودية مع روسيا أو تونس مع إنجلترا أو مصر مع أوروجواي؟ كرة القدم خلال المونديال، هي أكثر من مجرد لعبة، لتمتد مساحتها حتى تصبح همّاً واهتماماً وطنياً لشعوب الدول المشاركة، وكرنفال وطقوساً لدى عشاق هذه المنتخبات الذين تغيرت ولاءاتهم وانتماءاتهم، مع خروج المنتخبات الكبيرة، فمن كان يشجع الأرجنتين قلب على كولومبيا اللاتينية مثلها، أو اختار منتخباً مثل كرواتيا، ومن عشق البرازيل منذ الصغر يمم شطر فرنسا أو إنجلترا، لأنك لا يمكن أن تتابع كرة القدم بشغف وحب، دون أن تشجع أحد الطرفين حتى لو كنت لا تعرف أسماءهما أو هويتهما، فأحياناً نشجع اللون الفاتح على الغامق مثلاً. ومن تابع ما يصلنا عبر «الواتس أب» وفي وسائل التواصل الاجتماعي، سيجد أن العالم كله يغلي كرة قدم، ويفور حماسة لها، ويتنفس عشقها، وهو ما لا يحدث مع ألعاب أخرى، رغم جمالها مثل التنس أو «الفورمولا - وان» أو كرة السلة أو الدراجات التي تحظى بشعبية، ولكنها لا تصل حتماً لما تصل إليه الكرة. صيف روسيا كان ساخناً جداً على غير العادة، وحتى اللحظة، أعتقد أن مونديالها هو الأحلى والأجمل والأمثل منذ وعيت على المونديالات وأتذكرها جيداً، بدءاً من ألمانيا الغربية 1974، وهذا من وجهة نظري الشخصية، فالبعض قد يقول أميركا 1994، والبعض الأرجنتين 1978، والبعض الآخر فرنسا 1998، أو حتى البرازيل 2014، وأنا لا أتحدث عن عامل واحد، بل غالبية العوامل من مستوى فني وحضور جماهيري وملاعب وأمان ومشجعين وتحكيم وتقنيات وحتى جماليات.