في الوطن العربي العشاق كثر رغم الجمرة الخبيثة. كلما التهبت قرحة، نمت في الجسد شجرة للحياة، فالأنهار تصب عذوبتها، فتروي، وتسقي أشجار الحلم، وتترعرع الأعشاب. يظن المتربصون، أن الحقل قد يبست عروق نخيله، فيمضون في قطع مجرى الماء، بينما النهر جار في الشعاب، والهضاب، النهر لا ينضب معينه، لأن الوطن هو الحقيقة، وما عداه وهم يتسربل به الواهمون فيتعرقلون ويتعثرون، ويتبعثرون، ويمضون إلى هلاكهم وضياعهم وخساراتهم المهلكة.العشاق كثر، والأزهار تنمو في الحقول وتزدهر الأرض بعيون الذين يتطلعون إلى الحياة بنظرة التفاؤل، ولا شيء يخفي الحقيقة مهما تطاول المغرضون، وتحذلقوا، وهاجوا، وماجوا، وارتفعت أمواجهم، فالبحر إن سجر لا يرمي إلا الزبد ويحفظ أسماكه من الزوال. في الوطن العربي هناك عشاق، قصائدهم من حروف الدم المراق من أجل تلوين التاريخ بالأبيض الناصع، وترتيب مراحله كما هي عناقيد النخل المبجل. في الوطن العربي هناك حلم بحجم التضاريس، يمشي على الأرض بتؤدة ويحسب خطواته بثبات الفراشات الأنيقة، قد يغدر فاجر، أو يدبر ماكر، لكن الحب الذي يملأ صدور العشاق قادر على إفساد كل ما يدبر، وكل ما يجرجر الخطوب صوب الحياض، فيمكرون، ولكن صفاء السريرة التي يتمتع بها عشاق الحياة، قادر على محق هذه الموجات، ودحض هديرها، وكبح خريرها، وتحويل البحر إلى قناة تمر عبرها سفن التفاؤل، لتهدي للناس أجمل روائعها وأروع إبداعاتها، وأنبل سجاياها. لا يهم أن هامت الجمرة الخبيثة هنا وهناك، فالقلوب المحصنة بالحب قادرة على زراعة المكان بالأمان، وقادرة على بسط نفوذ الطمأنينة، وملء الوعاء بشهد الاستقرار. في الوطن العربي، مرت عواصف، ونواسف، وكواسف، وخواسف، ولكن بقي الجبل شامخاً شاهداً على انكسار الرياح على هامته الراسخة، بقي الجبل يحكي قصة أمة ما فتأت ترسم صورة الوجود بقلم الآمال العريضة، وتلون المشهد الحضاري، بعطاءات أبنائها المخلصين الذين لم تثنهم الوعكات الصحية المباغتة عن أداء دورهم الإنساني تجاه العالم، لأن هذه البقعة من العالم خلقت لتبقى، ولتكون آية من آيات الخلود، وصورة من صور الأبدية. نقول إن من يفكر بزوال هذه الأمة، فهو جاهل لم يقرأ التاريخ بوعي، بل هو يعيش حالة اللاوعي، ولذلك لن يفهم كيف تصنع الشعوب مصيرها، وكيف تحافظ عليه، فالأمة باقية بقاء الكون، لأنها أمة ارتبط وجودها بشعاع الشمس، وبزوغ القمر، وبريق النجوم، فماذا تفعل مثل هذه الرياضات الفاشلة، التي يمارسها هواة الأيديولوجيا البائسة وأصحاب الهواجس، والوساوس، والذين في قلوبهم مرض، وفي نفوسهم غرض، والمجاهرون بالحقد والأسى والذين يبطنون ما لا يقولون.