لن تحظـى البرازيل قطعاً باستقبال كالذي حظي به نجوم اليابان ولا كولومبيا ولا حتى آيسلندا.. هناك من يقنع بالقليل، وهناك من يرى ذلك القليل سقطة في تاريخه.. هناك من يرى الخروج قبل الوصول إلى العرش نقصاناً لما حقق عبر تاريخه، وقياساً بإمكانياته.. كل فريق هو من يضع سقف طموحه، وتسير الجماهير خلف مواكب الأحلام، كل حسب طاقته.. هناك من يكتفي بالاحتفال في كل الأحوال، وهناك من لا يرضيه سوى الفوز.. نحن من نشكل المشاعر ونرسم في الصدور الأمنيات، ونؤهلها لاستقبال ما نريد، لأنه حدود ما نستطيع. بعد مونديال عام 1994 في الولايات المتحدة الأميركية، أقدم متعصبون كولومبيون، على قتل لاعب المنتخب الكولومبي أندريس إسكوبار.. أمطروه بست رصاصات بسبب خطأ له في مباراة المنتخب أمام أميركا، والتي ودع بسببها المنتخب الكولومبي.. البعض كان يخشى أن يحل ذات المصير بأكثر من لاعب في نفس المنتخب اليوم، خاصة أن رسائل التهديد قد طالتهم «اقتلوا أنفسكم، ولا تعودوا إلى كولومبيا».. كان ذلك نص الرسالة التي كشفت عنها «ديلي ميل» والتي وصلت إلى اللاعبين كارلوس باكا وماتيوس أوريبي، لكن شيئاً من ذلك لم يحدث واستقبل الفريق في العاصمة بوغوتا استقبال الأبطال، وطافوا المدينة وسط مواكب من السيارات، وهتاف «سنعود أقوى». اليابان أيضاً استقبلها جمهورها استقبالاً وردياً يليق بها وبلاعبيها، ونال المنتخب الآيسلندي استقبالاً مبهجاً في العاصمة ريكيافيك، وكذلك فعل جمهور البيرو، وبنما، رغم أن الأخيرة خسرت جميع مبارياتها وقدمت مشاركة باهتة، ولم تحصد مع مصر فقط، أي نقطة في المونديال الروسي، لكنهم فور وصولهم، طافوا أرجاء العاصمة على متن حافلة مكشوفة، وكأنهم عادوا بالكأس. لم يحدث ذلك لا في مصر ولا في السعودية أو تونس والمغرب، لأن الأمر غالباً ليس الكرة وفقط.. الأمور غالباً لدينا تتشعب، فلا تصبح الكرة للاحتفال.. هنا نلونها بأكثر من لون، فنصبغها بألوان السياسة والبيزنس والفن والبرلمان.. هنا نفرط في التصريحات، وعلى إيقاع الحماس ومعسكرات الإعداد والمباريات الودية يعلو هدير الجماهير.. يصدقون أننا نستطيع، قبل أن يصدمهم واقع مغاير تماماً لما تم الترويج له قبل البطولة.. نكتشف أننا لسنا كما نظن .. إذن لماذا نحتفل. في اليابان وبنما وآيسلندا والبيرو .. لم يقولوا إنهم قادرون على المضي إلى أبعد نقطة.. لم يرسلوا البعثات ويرفعوا سقف الأمنيات.. لم يصوروا الأمر وكأنه معركة حربية .. كانوا غالباً يحتفلون وأكملوا المشوار على إيقاع الاحتفال، لكن كل شيء عندنا قضية، ولذلك يفوتنا الاحتفال.. من البداية للنهاية ونحن على أعصابنا، وننتظر المونديال القادم على أعصابنا أيضاً، فيفوتنا الأهم.. أن نفرح. كلمة أخيرة: غريب أمرنا.. نخسر في المباريات وفي الشوارع والبيوت والصدور