الحياة رحلة طويلة أو قصيرة بين شطي الوجود والعمر ومراسي الأيام، رحلة عبّار بين ضفتي الخور أو الشريط المائي الأزرق الذي صنع الحياة في مدينة منذ الأزل، وهي واهبة الجمال والحب والبشارة بالقادم والراحل، رحلة عبّار يقود عبرته عند شروق أول خيوط الصباح وإلى المساء، عبّار مريم جمعة كان مرتحلاً، كادحاً في سبيل أن يعيش بكرامة وعزة من دون منة، مريم جمعة تشبه ذلك الذي نسج لحياته وجوداً وحضوراً أيضاً من دون منة أو ضجيج من تصنع الضجيج له عبر العربات الفارغة!، فقط عبر سواعد العبّار يخلق وجوده وزمنه، مريم عبر قلمها وجهدها وإيمانها بأنها وحدها فقط تستطيع أن تخط درباً منيراً وواضحاً، من دون أن يقدمها إعلام أو مؤسسة تُعنى بذلك المراد صنعه وفرضه ليل نهار!!
إنها من زمن أولئك الذين تعبوا على أنفسهم وقدموا أجمل الأعمال، مريم جمعة كانت على رأس ذلك الوقت الجميل، أروع الأعمال القصصية المحبوكة مثل صناعة الفضة أو النسيج الحريري، كانت رائعة في السكب وجمالية اختيارات الكلمات والجمل، بالإضافة إلى المحتوى القوي والمنتمي إلى المجتمع وحياة الناس اليومية، لم تقدم يوماً عملاً ذاتياً، كانت الأمين والحارس لخدمة ناسها ومجتمعها، علاوة على الهدوء الرائع، لم تزاحم يوماً على منصة أو ميكروفون لتقدم استعراضاً نسائياً من أجل الحضور، كانت من ذهب في الحديث والكتابة، قليل جداً من يشبهها في قدرتها الرائعة لتقديم أعمال كلها ذات غاية وقصدية في خدمة الأدب، وأيضاً خدمة المجتمع. كانت راصدة عجيبة لكل الحكايات الشعبية ذات المعاني النبيلة. مريم مثل نسمة باردة منعشة طافت بالساحة الثقافية الإماراتية، أعمالها القصصية أو الترجمات، وحتى المقالات الكثيرة التي كتبتها في الصحافة الإماراتية، كانت مميزة جداً وذات أبعاد غاية في الروعة واختيار الموضوعات الهادفة والمهمة لخدمة مجتمعها أو تقديم الأفكار البناءة.
حتى عندما تقرأ عناوين مجموعاتها القصصية أو ما تحتويه أيضاً من قصص تجد أنها أمينة ووفية للمجتمع وناسه، لننظر لعنوان مجموعة فيروز ودلالة اختيار هذا العنوان الذي تؤكد معظم القصص فيه أنها للناس العاملين والكادحين ومن طحنتهم الحياة قديماً وحاضراً لتقول، هذه العناوين هي ملح وأرض التعب الاجتماعي؛ هكذا يبدو عبار وصرمة وعناوين كثيرة.
مريم أي فقد نحن فيه على المستوى الثقافي وفي فن كتابة القصة في الإمارات، أنتِ لستِ طيفاً عبر ورحَل، لست ضوءاً وسناء مر بنا لكي تذهبي للنسيان.. مريم لن ترحلي من واقع الثقافة الإماراتية، سيظل ذلك الخط العميق والأخدود الذي حفرتيه بقلمك وعملك ونشاطك عبر رحلة العمر الذي وهبتيه للثقافة..
رحمة الله عليك واسعة...