تكاثر عدد السيارات التي قام بعضها بتنزيل ركابها الذين دخلوا بيت سالم الشامسي باستعجال بينما رُكِنَت مجموعة أخرى من السيارات بعشوائية بها نظام لا يعرفه إلا سكان تلك المنطقة وزائروها المعتادون. المكان باب مفتوح كقلوب أهله يستقبل حتى «الموايجين»، وتوسطت بهو ذلك البيت الصغير الكبير سارية يرفرف في أعلاها علَم الإمارات. وإن جال الناظر ببصره يرى بقعة أرضٍ وقد تقسمت بطريقة هندسية لتعبر عن مراحل سير الاحتفال. توافدت السيدات والأطفال ومرافقوهم من العمالة المساندة وبين القُبل والمداعبات ارتفع صوت المرحبين والملاطفين والمهنئين بعبارة «عيشي بلادي» فيرد عليهم الآخرون «عاش اتحاد إماراتنا» ثم يبدأ السؤال عن الحال والأحوال، فكان للوطن في كل قلب وشفاه حيز ووجود وكيان.. في خلفية هذه الافتتاحية صدحت مكبرات الصوت بأناشيد وأغان وطنية جعلت من زمان ذلك المكان احتفالاً، فإن قلنا إنه عرس فنحن جميعنا أهل العروس والمعرس في آنٍ واحد. وإن قلنا إنها مناسبة وطنية، فهي تعني جميع الموجودين، وإن كانت جنسياتهم مختلفة ففي يوم الوطن «كلنا الإمارات».
بعد لحظات من وجودي وبداية استيعابي لهذا المشهد، جاء النشيد الوطني فاستقمنا ونظرنا إلى العلَم المرفرف ورددنا النشيد الوطني بصوتٍ جاء من القلب وكأننا في طابور الصباح المدرسي. ثم جاء دور فقرات الحفل، فهناك من نظم الشعر، وهناك الفقرات الشعبية التي جمعت الأجيال وعززت الهوية ومَكَنت الموروث على الاستدامة وربطته بأعز مناسبة. واحتفاءً بعام التسامح تشكلت الموسيقى لتشمل الأغاني المصرية ودول مجلس التعاون والفلبين وإثيوبيا فعبر جميع الموجودين عن ثقافتهم وحبهم لدولة الإمارات العربية المتحدة كلٌ بطريقته الخاصة. فقلت في خاطري هذا مشهد عظيم فهو يعبر عن «البيت متوحد» والبيت هنا يبدأ بأهله وينتهي بالعالم وكوكب الأرض.
للعارفين أقول، بنى الشيخ زايد، طيب الله ثراه، وطناً لم نحلم به، وغرس فينا حب الأرض وزراعتها وحب الإنسان وفعل الخير وحب الآخر والإيثار والنأي عن حب الذات. وخلفته قيادة تحاكي تلك المنظومة، ومن منا لم تهز وجدانه صورة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد وهو يعتذر لطفلة صغيرة هرولت عندما رأته فحقق لها ما يفوق تلك الأمنية. بيت بابا سالم بيت من بيوت الإمارات، وكم وجدت من تلك المحبة في أجيالٍ سيردون جميل الوطن، وسيذكرون لحظاته التاريخية وسيذكرون بها أبناءهم وأحفادهم في مئوية الإمارات وبعدها بكثير، إن شاء الله.
غفر الله لبابا سالم الشامسي ودام بيته عامراً بحب الإمارات.
عيشي بلادي.