نتحاور لنتجاور في الفكرة، ولنكون كالنجوم نضيء بعضنا بعضاً، لنكون كالأشجار نسند بعضنا بعضاً، ولنكون كقطرات المطر نكمل بعضنا بعضاً، فنصير أنهاراً، نروي عشب الحياة، ونملأ الأرض أنهاراً. علموا أبناءكم لغة الحوار، تخرجونهم من سعار الأنا، ومن خوار الأفكار المدسوسة. عندما يفهم الإنسان كيف يتحاور فإنه يذهب إلى الآخر من دون أفكار مسبقة، ومن دون شحنات سلبية تقوده إلى العدوانية ضد الآخر، وبالتالي يهدم البيت، ليخر السقف، ويبدو فناء المنزل مثل بركة آسنة، تستوطنها الحشرات النافقة والطفيليات والطحالب. عندما يتعلم الأبناء الحوار فإنهم يتحررون من صهد الأنانية، ويخرجون من قاع الخوف من الهزيمة، فكل ما يحدث من هدم في العلاقة مع الآخر هو نتيجة الخوف من الهزيمة، والتاريخ العربي مملوء بالبطولات الوهمية التي صورت الإنسان العربي على أنه الخارق، المارد الذي لا تهزه ريح، ولا تهزمه تباريح، هذه الصورة المتخيلة جعلت من الخوف من فتح الحوار مسألة وجودية، أي أن أكون أو لا أكون، الأمر الذي جعل القبول بالحوار مع الآخر كمن يتجرع السم، وصار الخوف مثل جبال، وجثم على الصدور، وصار الفرد من الأبناء منعزلاً منفرداً مغرداً خارج السرب، وفي مثل هذه الحالة لا يمكن لمثل هؤلاء أن ينشأوا نشأة سوية معافاة، مشافاة من درن الشوفينية، وكراهية المختلف، ونبذه وإخراجه من دائرة العقل، لأن لونه لا يناسب، أو دينه لا يوافق، أو جنسه لا ينطبق على جنسنا. هكذا تبدأ القضية وتنتهي إلى عقد لا حدود لها ولا حلول، ويصبح المبتلون بهذه العقد، مثل كرات النار تتدحرج في كل مكان وموقع، ويكون وجودها مؤذياً وضاراً وقاسياً على المجتمع، ويصبح هؤلاء الأشخاص عقبة كأداء في تطور المجتمع، ومعضلة كبرى في نمو الحياة نمواً طبيعياً، لأنهم تكتلوا في منطقة سوداوية، لا يُرى فيها النور، وعندما يصبح الظلام هو المنطقة، التي تعيش وتعشش فيها النفس، فإن الذهاب إلى الحياة الهانئة يصبح عسيراً وعصيباً وخطيراً جداً، فكيف يمكن لشخص أن يرى الآخرين على حقيقتهم وهو يكمن خلف حجب قاتمة، لا يكاد يرى من خلالها قدميه. إذاً نحن بحاجة إلى الحوار، كحاجتنا إلى الأبناء أنفسهم، وإذا كنا نحبهم حقيقة، فلنطلق طيور الحوار، ونجعلها ترفرف بأجنحة الحب بدلاً من الكراهية. إذا كنا نحب أبناءنا فلا نجعلهم مثل أسماك الزينة، نراها من خلف الزجاج ولا نقترب منها، نتسلى بها ولا نحررها من الأماكن المغلقة.