تعبر السفينة بأضوائها الملونة النهر بهدوء، وتنهمر الموسيقى راحلة إلى البعيد.. ترحل بهدوء مثل وردة طافية على سطح الماء، تودعها أكف كثيرة على الأرصفة المتقابلة، كلها تلوّح بفرح ثم تمضي في طريقها ومساراتها المختلفة في المدينة. وحدها كف بيضاء صغيرة وناعمة ظلت تلوّح طويلاً، أصرت أن تظل ممدودة للريح والفضاء، كف تودع كفاً بقوة وبصورة مختلفة عن الأيادي الكثيرة التي ارتفعت بالسلام.. ظلّت روح طائرة خلف أضواء السفينة/‏ المركب الذي يمضي بهدوء ويختفي رويداً رويداً. يقترب أحدهم ويربت على كتف الفتاة برفق ويدعوها أن تخفض يدها الممدودة بالوداع أو السلام.. تظل لبعض الوقت وكأنها تنتظر أن تغيب السفينة/‏ المركب في انحناءات النهر، وكأنه قال: جميل أن نقلب صفحة الوقت، ولا بأس أن تغيب أيضاً مع الوقت الكثير من الوجوه التي أحببتها، تماماً مثل ذلك الذي يحتفظ بألبوم الصور في أدراجه، الكثير منا عزيز وجميل وله ذاكرة خاصة أو عامة، ولكن قد يجبرنا الوقت أو الظروف على أن نرحل مع جريان الحياة مثل جريان النهر، المتدفق دائماً والمتجدد ولكنه لا يخون مساره. غابت السفينة والأضواء، ورحلت الفتاة الجميلة وطوت كف الوقت ودخلت إلى زحام المدينة، كلّنا نمر بلحظات وأزمنة في الحياة نفرح كثيراً، نحلم كثيراً، نسعد كثيراً، ثم نحزن في وقت لم نحسب له حساب، يأتي مثل المباغتة أو مثل انطفاء ضوء مفاجئ، ولكنها بعد حين تعود الإضاءة، وتنوّر الحياة ونمضي من جديد في صياغة واقع آخر، وربما صداقات جديدة وعلاقات جديدة، وقد ينتهي بحب جديد. كل البشر يدركون هذه الحقيقة وصيرورة الحياة، ولكنها واجبة الاعتراف بأنها مرة وحزينة، البعض يتجاوزها سريعاً، والآخر يحتاج لأزمنة أطول، وربما هناك من لا يستطيع أن يفعل شيئاً جديداً ويظل حبيس زمنه ووقته ولحظاته المرتحلة، لا يسعى إلى التجديد وتبديل حياته وإنما ينتظر الفرج من الله وربما تحجر ثم ذبل ومات وانتهى مع زمنه الهارب وظل طافياً مثل خشب لوح أو جذع شجر يحمله النهر أينما ارتحل! دائماً أقلب الصفحة وأبحث عن جديد أيامك، أرقص زين زمنك بالفرح، وظل مثل أضواء السفينة العابرة دائماً للماء بالموسيقى والجمال والغناء والفرح، لوح سريعاً للراحل وادع له بالجديد، واصنع جديدك، فالوقت والحياة لا تستاهل التأسف على شيء!!