سيظل الأثر الذي تركته القاصة الإماراتية والأخت العزيزة الراحلة مريم جمعة فرج، محفوراً في ذاكرة الإمارات الأدبية. ليس باعتبارها من أوائل الأديبات، وليس لأنها واحدة ممن خاضوا في التحولات الأدبية والفكرية الكبيرة التي شهدتها الدولة في بداية الثمانينيات. وإنما لأنها امتلكت صوتها الخاص في تركيب الجمل السردية بذكاء عالٍ. ولأنها واحدة ممن أسسوا لمعمار جديد في بناء القصة القصيرة، معمار يعتمدُ على التقاط المدهش من التفاصيل الصغيرة، وتكوين عالم مركب ومعقد من الرؤى والإشارات والدلالات التي يتشكّل منها فضاء النص القصصي. وأقول النص القصصي لأن أسلوب مريم جمعة فرج كان ينحاز إلى مهارة التأليف، ويرتكز على فن بناء الجملة وتقطيعها واختزال الحوارات وأحياناً محوها من النص السردي في تعمّد واضح لتجاوز النمطية الشكلية في الروي القصصي التقليدي.
قلّة ممن اقتحموا التجريب في القصة القصيرة الإماراتية، تمكنوا من إبداع نصوص توازي أو تقترب من المفهوم الأدبي لهذا النوع الجديد من الكتابة الذي يختلف عن الحكاية. ومريم جمعة فرج، هي واحدة من هؤلاء، حيث تشعر أنها تتحكم بكامل تفاصيل القصة التي تبنيها. بالزمن، وبالأحداث، وبالغايات والنهايات. وهي في كل ذلك تتقصّد الخروج بنص يتكئ على مرجعيات شتى في مفهومه، لكنه في مضمونه ينحاز إلى بيئة المكان وإلى شخوص نعرفها أو عايشناها. لذلك كانت تطعّم قصصها بمفردات محلية، ولكن بحذر، كونها تُدرك الفرق ما بين السرد الشفاهي والشعبي الذي استلهمته وتفحّصت عوالمه وفككت أساليبه النمطية، وبين الفن القصصي الحديث الذي يستفيد من أشكال الحكي لتوليف بنية نصيّة جديدة. وكان كل من يقرأ لهذه الأديبة – رحمها الله - يلمس على الفور امتلاكها لهذا النفس الخاص بها.
على مدى أربعين سنة، خاضت مريم جمعة فرج في حرقة الأسئلة، وظل الأدب هاجسها الدائم، وظلت الكتابة فسحتها ومساحتها الحرة. أمعنت عميقاً في دراسة اللغة الإنجليزية وفتحت لنفسها درباً في الترجمات الأدبية والصحفية يعوّضها عن حالات التوقف عن الكتابة القصصية. كانت تغيب لفترات، لكنها تعود أكثر شغفاً بهذا العالم الذي قدمت فيه مجموعتين هما (فيروز) في العام 1988، و(ماء) في 1994. وقصص أخرى مشتركة.
تعرّفت إلى مريم جمعة فرج في منتصف الثمانينيات، وشدّني تواضعها الشديد وخجلها العفوي، على عكس ما تبديه في قصصها من جرأة وجسارة في البوح. تقاطعنا في دروب الكتابة والصحافة وجرحني رحيلها بطعنة غائرة في الروح.