لو يعلم صانعو الحروب، كيف يمكن للدمعة أن تنشف، وللآهة أن تخف، وللحرقة أن تجفف منابع سعيها، لو يعلم صانعو القهر، والفقر، والكدر ماذا تفعل هذه الشظايا المهلكة، بوجدان طفل فارق الأهل والأحبة، ووقف عند قارعة طريق، ينظر إلى العالم بعين ملؤها غشاوة لا يبدو من خلفها غير كون رمادي، ووجوه أشبه بأفلام الكرتون، وشوارع باهتة أشبه بلوحة قديمة قدم الدهر. لو يعلم هؤلاء ماذا يشعر به طفل فارق مدرسته منذ أمد، والحقيبة المدرسية أصبحت كيساً بلاستيكياً يلملم في جوفه بقايا تعبه، وبعض ما خلفته مكبات النفاية في شارع مزدحم بالمارة، وكذلك القطط السائبة. لو نظر هؤلاء القتلة إلى عيني طفل مشرد، وقرأوا حروف الذل والهوان بين الرموش، لو فعلوا ذلك مرة واحدة فقط، لكفت قطر الحمدين عن بث السموم في عروق الوطن العربي، وتوقف الحوثي عن التآمر على أطفال اليمن، واتعظت إيران من كل ما يجري في العراق وسوريا، واليمن. ولكن كيف يمكن لهذا الضمير أن يصحو، والقتلة موغلون في القتل تحت شعارات واهية، ولافتات أشبه بلافتات المحال التي تم إغلاقها لعدم صلاحية السلع التي تبيعها. كيف يمكن لهؤلاء أن يعكفوا على الحقيقة، وهم يعيشون خارج التاريخ، وبعيداً عن الزمن، وعلى بعد ملايين الأميال من الوعي. كيف يمكن لهؤلاء أن يلتفوا لطفل فقد الأم، أو لأب ضاع منه الولد، وهم يملأون جعبة الضمير، بحزمة من الأكاذيب، والأخابيل، وكل ما مجه العقل من أوهام، وأسقام؟ كيف يمكن لهؤلاء أن يصحو لهم ضمير، وهم يغطون تحت ملاءات، ملأى بغبار السنين، وأحزانهم الوهمية، وطموحاتهم التي لا تخرج عن نطاق أحلام كائن خرافي عاش في زمن الجمع والالتقاط. كيف يمكن لهؤلاء أن يخرجوا من شرنقة الكِبر، وسوء العبر، وهم يفكرون بعقلية الوحش الذي اغتال أرنباً، وراح يتمطق سماجة، ويتبختر تيهاً، فرحاً بما فعل، ولم يعلم أنه اغتال نفسه عندما اغتال الفرح من عيني كائن بألفة الورود. كيف يمكن لهؤلاء أن يفهموا معنى الفرح في عيني طفل وهم لا يزالون يرضعون من الكراهية، ويدلقون من دلائها في قلوب من وقعوا ضحية لظلم الظالمين، وقهر الذين وضعوا الضمير في الكرسي الخلفي لعربات حروبهم العشوائية. كيف يفهم هؤلاء حقيقة الحياة، وهم تدربوا على أدوات الموت، وأساليبه، وخططه، كيف، وهذه الكيف ستظل واقفة مثل شجرة عملاقة، تبحث عن إجابة مقنعة لأسئلة الوجود.