الروح الكبيرة التي تسري في وجدان الإمارات وقادتها وشعبها، تتجلى اليوم في أروع معانيها ونحن نحتفل باليوم الوطني الثامن والأربعين. كلٌ في موقعه ومن مكانه، يضيء شمعة من وحي الآباء المؤسسين الذي تركوا لنا إرثاً من القيم النبيلة والأصالة والعز نباهي بها الشعوب والأمم. ولأننا نرتكز اليوم على هذه القيم، برزت الإمارات كنقطة إشعاع ثقافي في هذا العالم، واتسع المدى الذي يذهب إليه هذا الضوء، لذلك أصبحت الدولة قبلة للباحثين عن مكانٍ يتجاوز فيه المرء النظرة الضيقة للحياة. بشرٌ كثيرون من أصقاع وأجناس وأعراق متباعدة حطّوا في هذه الأرض وأدركوا قيمة التحاور والتجاور والتعايش على مبدأ الاحترام. وكانت الإمارات تغذي هذا التوجه دائماً بسن قوانين تنحاز إلى الإنسان أولاً، لذلك تلاشت في مجتمعنا مظاهر التعصّب بأنواعه، ووجدنا مشاعر الكراهية تزولُ من القلوب ولا مكان لأصحابها بيننا.
كانت قيمة التسامح بذرة مغروسة في أصالة هذه الأرض، لكنّ الآباء المؤسسين راحوا يسقونها بماء المحبة حتى اتسعت أغصانها لتظلل بخيرها الجميع. ومن وحي هذا التسامح، ارتقى الخطاب الثقافي التنويري في الإمارات ليصبح خطاباً عالمياً يستند إلى إعمال العقل والحوار بالمنطق والانحياز إلى الجمال والإبداع. لذلك أصبحت القصيدة الجديدة التي يكتبها شعراء الإمارات في طليعة مشهد الحداثة الشعرية في المنطقة. وعلى مدى أكثر من 48 سنة أنتج شعراء الإمارات نصوصاً تتقاطع وتتوازى مع تجربة تجديد الشعر العربي وتضيف إليه الكثير. وفي السياق نفسه، امتدت يد الفنان الإماراتي لتبدع بالريشة والضوء والظل، ورأينا على مدى عقود، كيف أصبح فنانو الإمارات يشاركون بأعمالهم في أعرق المتاحف والمعارض العالمية العريقة. ومن يرصد حركة التجديد في المسرح والرواية والسينما والتأليف، سيجد أن المنتج الثقافي النوعي لأبناء هذه الأرض قد تراكم عبر هذه السنين ليصبح اليوم فخراً ومرجعاً للأجيال الجديدة التي تتربى على القيم نفسها.
نحتفل بيومنا الوطني والإمارات مصدر التجديد الثقافي، وهي الحاضنة الأكبر في المنطقة لمعارض الكتب النوعية الكبرى ومتاحف الفنون العالمية والمؤتمرات الثقافية التي لا تتوقف فعالياتها وأنشطتها طوال العام في مدنها كافة. هذا السمو العالي في التعامل مع الآداب والفنون إنما يعود إلى الجذور الأولى لقيام اتحاد الإمارات على قيم المحبة والانفتاح والتعاضد والرغبة في احتضان الجديد والذهاب في مغامرة الإبداع حتى أقصاها. هكذا تزدهر الفنون في مجتمع يؤمن بقيم الحرية والجمال والسلام.