عندما تأسس تطبيق الـ«إنستغرام» كان القصد المبدئي منه، إلى جانب ربحية أصحابه، أنه سيُتيح لمُستخدميه التواصل المباشر وتبادل شتى أنواع الوسائط المُتعددة كالتسجيلات الصوتية والمرئية للتفاعل مع الآخرين والتعليق على مُشاركاتهم وإبداء الإعجاب بها ونقلها لمستخدمين آخرين في مجموعاتهم. وكان ذلك خيالياً آنذاك ولكن بعد حين أصبح كألعاب الأطفال بطيئاً ومملاً وعولج بتذمرٍ هائل من جيل الشباب لذا صُمِمِ تطبيق «سناب شات» ليكون سريعاً في إتاحة ونشر الصور والتسجيلات التي تختفي بشكل تلقائي بعد مضي وقت قصير على نشرها فلا تُستَهلكُ ذاكرة الهاتف أو تُسكِن تفاصيلها في ذاكرة المستخدم، والمستهدف من ذلك كله هو الترفيه بلا ذاكرة أو «حواس». هذا ما أدركه عندما يصلني من البعض لقطات طريفة وأخرى مُفجعة أعيش بين هذه المشاعر القطبية فتضيق دائرة الاستيعاب، ويدخل في الماء العكر الذين يطلق عليهم اسم «المؤثرون» الذين يتبعهم عددٌ خرافي من المتابعين، ومنهم من يمد دلة أو يروج لعقار أو مطعم أو سيارة، وغيرهم من يُدخِلُ هذه الدعايات والقصص إلى مقر سكنه فيتعرف العالم على خصوصياتهم بلا قيود حتى أصبح لبعض المؤثرين دورٌ كبير في زيادة نسبة المبيعات وجذب الزبائن، وأعادوا بذلك أيام الأسواق المتنقلة وأبدلوها بـ «اللايلام الذكي».. وعندما تغيرت الحياة هكذا وبهذه السرعة، سألت نفسي: مسكين تليفون البيت اللي يسمونه خط الهاتف الأرضي؟ وبحثت عن البقشة والخط، فاستخدام البريد العادي يتلاشى بسرعة النيازك! لقد أسهم استخدام هذه الوسائل في تغيير التفاعلات الاجتماعية، لاسيما في تغيير مفهوم ومبادئ الصداقة، فصديق اليوم افتراضي طالما يرسل ماهو عجيب وغريب ويعلق بخفة دم على ما يوضع على هذه المنصات. ولهذه المواقع والمجموعات تأثيرٌ مباشر على عملية التعليم والتعلُم والتفاعل مع الآخرين، ولكن من الضروري أن نقف وندرس تأثير ذلك في مجتمعنا وخصوصيته. التغيير والاستدامة أمران ضروريان لا يقلان أهمية عن البحث والدراسة فعن طريقهما تُفهمُ الظواهر الاجتماعية وعوامل الجذب والطرد والمُنَجِيات من إعادة اكتشاف العَجَلة.
للعارفين أقول، عندما عدت إلى منزلي من معرض الكتاب، فتحت كتاب «العقد الفريد» وبالصدفة المحبوكة وعن مُعاوية بن أبي سفيان الذي كان في مجلسه يوماً وعنده الضَّحاك بن قَيس وآخرون، فسألهم: ما أعجبُ الأشياء؟ قال الضحّاك بن قَيس: إكْداء العاقل وإجْداء الجاهل. وهذا كقول الإمام الشافعي «وَمِنَ الدليل عَلَى القَضَاءِ وحكْمِهِ، بؤسُ اللبيبِ وطيبُ عيشِ الأحمقِ». واللي يحب الليلام يسوي لايك.