سفاهة، وتفاهة، أن تصبح وسيلة للتواصل الاجتماعي، قناة لضخ حكايات أشبه ما تكون بأضغاث أحلام، تستولي على عقل إنسان أصيب بلوثة، ولم يبق أمامه إلا أن يفتح صنبور موقعه، ويظل يسرد قصة نومه في الليلة الفائتة، وما حدث له في تلك الليلة المشؤومة من أحداث قضت مضجعه، ثم ينتبه هذا الحالم، ليفتح نقاشاً سيريالياً، حول الوجبة التي أعدتها لأسرته الخادمة الموقرة، ثم يشرح للمتابعين الأعزاء وهم كثر، كيف تذوق طعم اللحم المقدد، مع الأرز الأبيض المحشو بالبهارات والبصل، والطماطم، وخيوط الزعفران.
حقيقة تشعر بالغثيان، وأنت ترى مثل هذه القصص التي يسردها لك أحد المتابعين، وهو في أتم الإعجاب بهذا المغرد الفذ الذي لا يترك شاردة ولا واردة إلا ويتطرق إليها، بمفردات أشبه بحبات العنب الفاسدة، كما أنه يلوح بأصابعه مختالاً، هياباً، جذلاً، ليغري متابعيه، ويشدهم إلى موقعه الموقر.
هذه هي نماذج من صنوف المغردين، والمغردات، اللاواعين منهم، واللاواعيات، والذين ينتشرون اليوم بيننا مثل الوباء المستشري في أفقر القرى الأفريقية.
لا أدري ما الذي يجعل من يتابع مثل هذه الفقاعات يضيع في مثل هذه الخنادق المعتمة، ويتوه في شعابها القاتمة.
العالم يضج بأحداث جسام، وبعض المغردين يلعبون في الوقت الضائع، ويتسلون بمشاعر الآخرين، ويفتخرون بعشرات الآلاف من المتابعين.
نماذج اجتماعية تحتاج إلى عقد دراسات نفسية معمقة، للخروج بنتائج تحل معضلة العقل المأزوم بتسطيح الأشياء، وتتفيه القضايا، والإطاحة بمفهوم الإعلام، وقيم التواصل.
حقيقة إن وسائل التواصل نعمة صنعها عقل نتقدم بذكائه، ولكن الاستخدام السيئ حولها إلى نقمة، تضرب الضمير الإنساني في أعماقه، وتخرب الأسس، وتهرب المعاني، وتسرب الأخلاق الحميدة.
حقيقة ما يفزع ويجزع هو هذا السيل الجارف من الأخبار الهادرة في تلافيف وسائل التواصل الاجتماعي، وهذا الانثيال في الصور، وخرائب النكات التي تضرب العقل في الصميم، وتبين أننا وصلنا إلى نهاية عالم، يفيض باللاشيء وتطفو على سطحه، طفيليات مميتة للوجدان، ومهلكة للمشاعر، حيث أصحاب التغاريد أصبحوا يملكون سلاحاً لا يملكه سواهم، وهو سلاح تفريغ الأشياء من محتواها، وهذه حرب أشد فتكاً من الحروب الكونية، وحروب السلاح النووي.
يقول فولتير: «من يجعلك تؤمن بالسخافات يستطيع أن يجبرك على ارتكاب الفظائع».