نشعر بالسعادة في وجود الاختلاف في الرأي، ولكن عندما يصبح الاختلاف، زفاف عرس وهمي، فإنه يخون الذاكرة الجمعية، ويسيء إلى مبادئ الطبيعة، ويضر بقانون الانتخاب الطبيعي الذي تحدث عنه العلم، واحتفت به الفلسفة.
هناك من راقت لهم فكرة، كن في الضوء الساطع حتى يراك الناس، ويقولون هذا فلان، ولكن عندما تكون في الضوء، فلا بد من أدوات تحميك من اللظى، ولا بد من قدرات تقيك من الشظف.
ما فعله البعض من رواد التواصل الاجتماعي، ركبوا السفينة، وجدفوا ومن دون بوصلة، أي من دون وعي، ودراية إلى أين هم ذاهبون، الأمر الذي أغرقهم في لجج زرقاء قاتمة ولم يستطيعوا النجاة منها.
ما حدث هو صراع من أجل الشهرة، والمحاججة من أجل البروز، والمخالفة من أجل إثبات وجود غير موجود.
نقرأ، ونشاهد، ونسمع، عن أحداث ما أنزل الله بها من سلطان، ونسمع عن قصص، يشيب لها الولدان، ونسمع عن أمور لو ألقيت على الجبال لهدمتها، وأطاحت بخلودها.
نسمع ما يسمعه النائم عندما يفزع بحلم الأضغاث، لأن ما يسلكه بعض رواد وسائل التواصل، هو سلوك القطعان في مراعي الجفاف الأخلاقي، وهو سلوك الطغيان في ساحات البغي، والبهتان. أصبحت هذه الوسيلة الإعلامية الجميلة بين أيدي من لا يد لهم غير اليد التي أصابعها تعودت على الضغط على حروف التشويه، والانحراف عن الحقيقة.
لقد كشفت وسائل التواصل عن وجوه كانت مخبأة تحت شراشف سميكة، ولا أحد يعرف كنهها، اليوم أصبحنا نرثي حال هذه الوجوه وتاريخها، اليوم صرنا نغني على ليلى، وليلى بين سطور وسائل التواصل، مريضة، وعليلة، ولا تملك غير البكاء على اللبن المسكوب.
اليوم صرنا لا نثق بالبعض، بل نخاف من نواياهم، لأنهم هشموا أبواب الثقة، وحطموا أقفالها، ودخلوا في مناطق معتمة، وجلسوا على دكك غير مهيأة للجلوس.
اليوم صرنا لا نحب التواصل عبر وسائل التواصل، لأن اسمها ارتبط بمرحلة من أسوأ مراحل الأنباء الإعلامية. اليوم صرنا نتوجس من هذه الوسيلة الملغومة، خوفاً من انفجارها تحت أقدامنا في أي لحظة مباغتة.
اليوم صرنا نبحث عن الأشخاص الصادقين في هذا المجال بالإبرة، كمن يبحث عن خاتم ذهبي في كومة قش.
اليوم تدور الأسئلة، متى يتخلص العالم من هذه الآفة ويستعيد براءته وعفوية المعطى الإعلامي من دون نوازع ذاتية ولا مشاعر أنانية ولا أخلاق ممزوجة بدماء شيطانية.