في الكلمة التي قدمها المصور الفوتوغرافي «يوسف الحبشي» تزامناً مع افتتاح معرضه «اللامرئي»، تناول عدداً من المعوقات التي واجهته ولا تزال، في مسيرة شغفه بتصوير الحشرات بطريقة الماكرو. استخدم المصور الإماراتي في شرحه للمعوقات صوراً توضيحية، ووضع في الجزئية الخاصة بالمعوق الاجتماعي وجه رجل عليه كل علامات الاشمئزاز وعدم القبول. الصورة في حد ذاتها مستفزة، بل ووجدتها غير منسجمة مع العرض الهادئ المتجانس مع فنيات صور يوسف ورزانة حضوره. غير أن نظرة متفحصة لشكل العائق المجتمعي الذي نواجهه في حياتنا عندما نقرر أن نمضي عكس التيار السائد حولنا، لا يمكن تصوره على هيئة أقل بشاعة من ذلك الوجه المستفز!
يعتقد الكثيرون أن العائق المادي هو أكبر المعوقات التي يمكن أن يواجهها الإنسان خلال مسيرته في تحقيق أهدافه، ورغم تأكيدي على دوره المهم، إلا أنه لا يعد شيئاً أمام جبروت العائق الاجتماعي. ويدرك ذلك جيداً أصحاب النجاحات المدوية والرواد من أصحاب التغيير الاجتماعي. كون هذه الفئة الأخيرة بالذات تدرك تماماً قوة التيار الذي يواجهونه ومقدار الخسائر التي سيتكبدونها لإكمال مسيرتهم في طريق وصولهم إلى الهدف.
يبدي أي مجتمع قوة ضارية في مواجهة محاولات تغيير قناعة أو تقليد تَرسخ فيه، ولقي استحسان ناسه، حتى لو تعارضت أساساً مع قيمه العقدية. وفي ذلك سيتحرك أفراده كجيوش - باتفاق ضمني- في محاولة تغيير مسار وترويض من خولت له نفسه بالخروج عن السرب. يتجلى هذا الرفض في ردود أفعال أفراده الناصحة تارة، المستنكرة والشاجبة تارات أخرى، والمقصية وهي أكثر رداته تطرفاً، وكذلك الهجومية معنوياً ومادياً في أكثرها عنفاً.
عندما وجد «يوسف» شغفه في ملاحقة الحشرات وتصويرها، تعرض لبعض أشكال الاستنكار تلك، غير أنه لم يأبه، وانشغل بمشروعه. الآن وبعد عقد تقريباً من سيره ضد التيار، تعد أعمال مصور الماكرو الإماراتي يوسف الحبشي عالمية، ليس هذا فحسب، بل وتمكن من خلال انضباطه الذاتي وتحمله لخذلان الآخرين أن يقدم نموذجاً للتغيير، فتحول بعض مستهجني «شغفه بالحشرات» إلى مريدين. ولكن هل هذا يعني أن الصورة البشعة لوجه المقاومة المجتمعي تغيرت؟ لا أعتقد.. وهذا لن يحدث، ولكن إصرار الحقيقيين ممن يملكون رؤية وفكرة وشغفاً، أولئك النزيهون والمنصفون مع أنفسهم والآخرين، سيكون كافياً جداً لتبقى صورة استهجان المجتمع «مجرد صورة».