السهم الذي تُطلقه وأنت مرتجفٍ على عدوّك، سيسقط بين رجليك. والسهم الذي ترميه وأنت مغمض العينين، لن يصيب إلا الفراغ. أنت تحتاجُ الى البصيرة أولاً، إلى الإدراك الذي يخط لك الطريق ويكشط من أمام عينيك غشاوة العمى. ها هي الكتب القديمة تضجُّ بحكمة الدهر ولم تصدأ كلماتها بعدُ، فهل تمدّ يد الرجحان وتنهلُ من كنزها ما يعينك على استشراف الأمل؟ ها هم الحكماء غرقى في الصمت وفي المراقبة، فهل تنتبه مثلهم إلى النيّة كيف تنشأ في قلبك، وكيف تصير فعل يديك؟ أم تراك أسير التجاذب، وجلّ وقتك دحضاً لهذا أو عناداً في صدّ ذاك. ثم ماذا عن الوقت، هل تظنّهُ ملكك؟ وماذا عن فكرة الزوال، وانمحاء الأثر، وتبدل الحال، وعادة تقلّب الأيام مرها بعد حلوها، وانكشاف طينة الذي بالأمس كان معك، واليوم صار عليك؟
لا وجه للحقيقة، لكنك ستعرفها حين تغتسل من وهم الأنا المتعالية. عندما تتأمل في الزمن وتراه مجرد دائرة كبيرة يتناسل داخلها المكان. وعندما تقرأ في وجوه الناس، وترى أنك منهم، وغداً تؤول مثلهم إلى التلاشي في ما يطمسه الرمل، وما يطمره السيل الغزير للنسيان.
ستعرف الحقيقة إذا اغتسلت في نهر التخلّي عن كل ما يزول، وعن التشبّث بأشياء الحياة كأن فيها خلودك، وأنت في الأصل زائرها المؤقت وعابرها السريع. البداية والنهاية فكرتان لوهمٍ واحدٍ هو أننا دخلاء على الزمن، لكنك منذ ألف عام كنت ترعى حراً سابحاً في جينات أجدادك. فهل أنت مكتملٌ في شكلك البشري الآن، أم مجرد استمرارٍ لما بدأته الخليقة، يوماً عندما ثارت الخليّةُ ضد عزلتها في الكون وراحت تنشقُّ على ذاتها من ذاتها مستمرةً هكذا في سطوع اللانهاية. السهمُ الذي تُطلقه واثقاً في عين الظلام، سيظل منطلقاً إلى الأبد. وسوف تتفتحُ لك الدروب المضاءة بوعي المعرفة، وتتهدم من أمامك حواجز التردد والحيرة واللغز. وبالقبض على الكلمة المحبّة، والإيمان بها من كل قلبك، يمكن تظلّ تبرقُ وتذوب مثل شعاع ضوء يومضُ في فسحة الكون وأزل استمراره، من غير أن تخشى فناء أثرك.
إنها الحياةُ تختبرُ نفسها فيك. وأنت وحدك من يملك الاختيار بأن تكتب سيرتها باعتبارها لحظة دهشة آسرة، أم لحظة ندمٍ على ضياع الوقت والمعنى، وما من وقتٍ يموتُ أو معنى يضيع.