في حالاتنا في الحياة، نحاول خطأً أن نستقطب ما يشبهنا، وأن نستبعد ما يخالفنا. هذه نقطة ضعفنا، وانكسارنا وهزيمتنا وتقهقرنا وانزوائنا، ودخولنا الكهف المظلم.
نفكر دائماً أن كل ما يخالفنا فهو ضدنا، وأنه المعول الذي سيهدم المعبد على رؤوسنا، ولذلك نقف الموقف السلبي ضد العربة القادمة من اليسار، ونعترض طريقها، وقد نصطدم بها، وقد نتحطم جميعاً، لم ندع العربة تمر، ولم نترك مسافة بيننا وبينها، الأمر الذي أسقط قانون الذهاب إلى الأمام، وجعلنا نمكث في الهوة السوداء. عندما نفكر في من يخالفنا أنه ضدنا، فإننا نسقط قانون الطبيعة من عل، ونمحقه في الحضيض، ونمسك بتلابيب الخطيئة الكبرى، ونسقط نحن كما سقط قانون الطبيعة الذي أحبطنا مسيرته.
عندما يجن الليل، ويحيط بالجهات الأربع، ويخيم على رؤوسنا، ويمنحنا اللون الأسود، فإنه في لحظة ولوجه خيمة الكون، يكون يخيط ثوب النهار، ليمنحه البريق. عندما يتسلل الليل فناء الوجود، فإنه يبدأ في هذه الآونة في غسل قميص النهار، وتطهيره من الحبر الأسود. عندما تسكن الشمس في المغيب، وتسدل خيوطها في الجهة الأخرى من العالم، فإنه تبدأ في نفس اللحظة في صياغة أسور الذهب لنهار جديد، لعريس مقبل على تقبيل وجنة الوجود، وفتح نافذة لعهد جديد مع الحياة. الليل كحل النهار الذي يجعله متألقاً بالبهاء، والليل هو حلم النهار، المتدحرج على سفح الوجود، لأجل أن يصل إلى نقطة الزهو والازدهار. نخاف المخالفة، ونحن جئنا من صلب الاختلاف، ومن قلب المخالفة، ولولا الأنوثة لما حدثت الولادة، ولما تمت حالة الإنجاب الصحي. لولا الذكورة لما شيد العقل البشري صورة الأنثى، كماهي في الوجود، السحر، والزهر، والإبحار في ماء العطاء.
في حالاتنا الحياتية، نخشى المخالفة لعقدة نفسية، اكتسبناها من وحي فكرة مخادعة، جعلت من المخالفة ضد، ومن الضد تياراً، يجرف أعشاب الحلم، جعلت منّا حلقة ضائعة في تيه الأفكار المغلقة. المخالفة في حد ذاتها، نمو وازدهار، المخالفة مثل خيوط الحرير في تراكيبها وتنسيقها، لنسج قماشة معطف الحياة.
المخالفة هي مواجهة ما بين لونين أو أكثر، لرسم لوحة تشكيلية، تصبح بعد حين أيقونة وجود، تصبح بعد زمن تاريخ ميلاد لإبداع العقل ونبوغه، وبلاغة عطائه. المخالفة لا تعني غير الاستمرار في تطور العقل، وريعان أنهاره، وروعة شلاله.