لم يكن عبور الزقاق الطويل المؤدي إلى البيت في أحيائنا القديمة ليلاً مثار بهجة على الإطلاق، حيث في تلك السنين البعيدة والقريبة من سن الطفولة كانت قصص وأساطير الجن والسحرة حاضرة في الذهن باستمرار، نظراً لكمية المخزون الذهني من الحكايات حول الجن والسحرة، من «عبد المزنجل» الذي يمكن أن يقطع عليك الطريق و«أم الدويس» إلى إمكانية أن يتلبسك الجن والقدرة الخارقة لهم على تحويلك إلى شيء آخر عدا أن تكون بشراً.
فالطفولة كانت مرعى لسكب كل الخرافات فيها، الخرافات التي نجا منها من نجا وتأثر بها من تأثر، حيث هناك الكثيرون الذين كبروا مع تلك الأوهام عن الجن والسحر والسحرة وإمكانياتهم الخارقة في السيطرة على الإنسان والتحكم في مصيره.
وفي الجانب الآخر، هناك من تحصن بالوعي والمطالعة والمعرفة فانسكبت كل تلك الخرافات والأوهام من رأسه، ولم يبق من الحكايات والقصص شيء ذو تأثير على حياتهم، وبقيت النظرة إلى تلك الأشياء مجرد نظرة إلى مستوى الخيال وجماليته المسلية، حيث تبقى في قصص السحرة والساحرات قوة الخيال المطلق الذي لا يحده شيء، سوى ذلك الخيال الذي يرتكز عليه الشعر والأدب عموماً والسينما في تجلياتها الإخراجية والتصويرية الباهرة.
من تلك القصص التي تنقلها السينما عن السحر والسحرة فيلم «أنجلينا جولي» الذي يعرض حالياً في دور السينما، حيث يعمل الإبهار على تقديم شكل مدهش عن تلك الحكايات المشتركة لدى معظم الشعوب، مثل القدرة على تحويل البشر، وقدرة الحديد على تخويف الجن والسحرة وإبعادهم، حيث يؤمن الكثيرون بأن ظهور الحديد في حياة البشر وانتشاره بشكل كبير أرعب الجن وأبعدهم.
في الجزء الثاني من فيلمها «مالفيسينت» تقوم أنجيلينا جولي بدور الساحرة صاحبة الجناحين وقوة السحر الخارقة، وتقدم أداءً مميزاً كعادتها كممثلة استثنائية وملهمة على الصعيدين الفني والإنساني، ففي هذا الفيلم الذي ينتصر للسلام ومعانيه، الكثير من التشويق والإبهار في قدرات السحرة التي تطير والطبيعة في الغابة الخلابة مسكن السحرة، وكذلك الارتكاز على أسطورة طائر العنقاء الخرافي الذي يعود للحياة من الرماد، تقدم أنجلينا في الفيلم نماذج من الشخصيات التي تتصارع في توظيف مشوق للأحدث حتى تصل إلى السلام الذي يتحقق بين السحرة والبشر، في إشارة إلى الرغبة النبيلة في أن يسود الأرض السلام بين البشر، السلام والتسامح الخياران اللذان لا مناص للبشرية من استيعابهما وإدراكهما في مخزون الوعي حتى يمكن لها أن تستمر دون كثير من الدماء المسفوحة وسط صراع أزلي يجلب معه دائماً كل الخراب والرعب اللذين يفوقان بدمارهما قوة الجن والسحرة.