هناك أشخاص مثل «شرشبيل» الشرير الشهير في كرتون السنافر، شرشبيل يفرك يديه، وتظهر لمعة الشر في عينيه كلما توعد السنافر، المخلوقات الطيبة المسالمة، بالقضاء عليها ولو كان آخر يوم في حياته، هؤلاء الشراشبيل الأشرار منتشرون في مفاصل المؤسسات الإدارية المختلفة القائمة على التراتبية الهيكلية، بغية تحقيق أهداف معينة تصب في مصلحة المجتمع. يتوعد هؤلاء الشراشبيل الموظف المتفاني الكفء الذي يبدو أنه سيسحب البساط من تحتهم لكفاءته واجتهاده بالويل والثبور، فيضعون له العراقيل والمطبات تلو المطبات حتى يخنقونه في زاوية ضيقة يضطر معها للفرار مسنفراً بحياته، في حين يبتهجون هم بهجة النصر الشرير لخلو الساحة لهم، متظاهرين بالبراءة مما آل إليه حال الموظف المسكين. الوظيفة في حد ذاتها بصيغتها الحالية منذ بدء النهضة العصرية، عبودية حديثة تم إحلالها بديلاً لمفهوم العبودية التقليدي حين كان يباع البشر كالبضائع في الأسواق، وضعوا حول عنقه الآن «ربطة عنق» بدل السلاسل، وبعقد يوقع عليه ليدفع عن كاهله ذلَ الحاجة ويستر كرامته بدخل مادي ثابت، يجعل رب العمل أو حاشيته من المتسلقين المتملقين من ذلك العقد صك عبودية يشترون به ليس فقط وقت الموظف وجهده، وإنما شخصيته وفكره ونفسيته، متخذين منه هدفاً لتفريغ عقدهم النفسية الناتجة عن إحساسهم الكامن بالنقص. تعمل جوقة الشراشبيل المنتشرين في مفاصل المؤسسة على تحطيم الموظف عبر إخضاعه لعملية تعذيب نفسي لئيمة ممنهجة نابعة من الطمع وعشق السيطرة. وحب السيطرة يطغى على ضعاف النفوس الفارغين من الداخل الذين لا يمتلكون شيئاً من القيم العليا والفضائل الشخصية يستندون إليه سوى كرسي صغير ضيق وضعته الأقدار في طريقهم، ليجعلوا من البقاء عليه هدف الحياة الأسمى الذي لن يسمحوا لأي أحد أن يتهدد جلوسهم عليه. هكذا يتم إقصاء الكفاءات التي كان يمكن أن تحقق إنجازات مبهرة لو تم احتواؤها وتشجيعها بدلاً عن استهدافها لتهميشها وتحطيمها، ويعم الفساد الإداري القائم على مبدأ «الشلليات والمصالح المشتركة» لتحل المصلحة الشخصية بديلاً عن الصالح العام، وتتحول البيئة التي كان من المفترض أن تكون صحية ومنتجة ومثمرة، تقدم خدمات للمجتمع إلى معترك للمؤامرات «الشرشبيلية» الصغيرة التافهة الهادفة للقضاء على كل سنفور طيب مخلص وجميل. في الكرتون كان «بابا سنفور» الحكيم يتدخل دوماً في الوقت المناسب لإنقاذ السنافر من براثن الشرشبيل، فهل ينتصر شراشبيل الواقع الإداري إلى الأبد؟ « اشتر رأسك واستسلم»، ينصح أحدهم سنفوراً تم تضييق الخناق عليه في انتظار اللحظة الحاسمة للفتك به، ويبدو السنفور حائراً، هل يقاوم دفاعاً عن نفسه أم يستسلم ويتحول لليمونة يعصرها شرشبيل في حساء السنافر؟