تجربة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، في الزراعة تكفي لأن تكون درساً وافياً وكاملاً، لكل من يخوض تجربة الحياة بنجاح وفلاح. لقد أبدى كل الخبراء وأصحاب النظريات الزراعية امتعاضهم من زراعة صحراء قاحلة، جدباء، بينما الشيخ زايد كان على يقين الفطرة والعفوية، والذكاء البيئي، كان على يقين أنه لا مستحيل أمام الإرادة الصحيحة، والعزيمة الصلبة، والأنفة الشامخة، وقبل كل هذا وذاك الحب الذي يؤلف بين الإنسان، وما يحيط به من مقومات الوجود.
وكانت التجربة التي تلتها فرحة الانتصار على اليأس، والفوز بجنة الأحلام الزاهية التي ترعرعت على الأرض مثل غزلان برية، أيقظت في نفوس العشاق أزهار الوعي، بأهمية أن تكون للإنسان قدرات الطبيعة، وليست قدرات الطبع، وأن يستطيع هذا الإنسان أن يتجاوز حدود ما يقذفه كل يائس، وكل قانط، وكل بائس، وكل مقيم دائم عند حواف الاكتئاب السوداوي.
تجربة الراحل الكبير، تكفي لأن تكون لنا ديدن، ودوزنة لمشاعرنا، إذا أردنا أن نعبر المرحلة من دون عواصف ولا أمواج، وإذا أردنا أن نمر في طرقات الحياة، من دون ما يعرقل طموحنا أو يعيق رحلتنا.
عندما نتحدث عن التوطين، فإننا نوجه السؤال إلى كل مواطن، سواء كان مسؤولاً، أو طالب وظيفة، فالجميع يشتركون في الهم والمهمة، والجميع تقع على عاتقهم مسؤولية الدقة في اختيار الهدف، قبل أن نبكي على اللبن المسكوب، فلا يمكن أن نلوم مسؤولاً يرفض توظيف مواطن، وهو يعلم أن هذا المواطن لا يصلح لهذه الوظيفة، كما أننا لا يمكننا التضامن مع مواطن تم رفض طلبه لوظيفة معينة، ونحن نعلم أن هذه الوظيفة تحتاج إلى مؤهلات معينة، وقدرات محددة.
حديث صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، عن التوطين واضح وجلي، ولا يحتاج إلى تأويل، فالشخص المناسب يجب أن يكون في المكان المناسب، ولا جدال في هذا الأمر، ولا مجاملة، لأن مستقبل الوطن أهم من الأشخاص، وأعلى من التمنيات. لذلك فإن التوطين سوف يشغل الجميع، وسوف تعلو أصوات وتنخفض، ولكن لا ضرر، فالذي يريده سموه هو كل ما يحتاجه الوطن، والوطن بحاجة ماسة الآن إلى تضامن الجميع، في سبيل إنجاح عملية التوطين، ووضعها في نصابها الصحيح، ولا ينبغي أن نأخذ المسألة، «خذوه فغلّوه»، بل التحري والدقة واجبة على كل مسؤول، تقع عليه التزامات الاختيار، وانتخاب ما هو أصلح وأنجح وأفلح.