الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

البرهان يبعث رسالة «ضمان» بإعلان وقف إطلاق النار في السودان

البرهان يبعث رسالة «ضمان» بإعلان وقف إطلاق النار في السودان
17 أكتوبر 2019 01:35

أسماء الحسيني (القاهرة – الخرطوم)

أصدر رئيس المجلس السيادي السوداني الفريق أول عبد الفتاح البرهان، أمس، مرسوماً دستورياً بوقف إطلاق النار في جميع أنحاء السودان.
ويأتي القرار بعد أن شهدت الساعات الماضية تعثراً في المفاوضات التي تجري بين الحكومة الانتقالية والحركات المسلحة، حيث أعلنت الحركة الشعبية قطاع الشمال فصيل عبدالعزيز الحلو تعليق مفاوضات السلام مع الحكومة السودانية، بعد خروقات حكومية لوقف إطلاق النار.
وأعلنت الحركة الشعبية لتحرير السودان قطاع الحلو بيانا أكدت فيه أنه بينما كانت تتأهب للدخول في تفاوض مع الحكومة الانتقالية، أمس، قامت القوات المسلحة السودانية بمساعدة أفراد بعض بطون الحوازمة بتخطي مناطق بالمسار الشرقي المختلف حوله، وبعدها قامت بنصب كمين في الطريق الذي يسلكه سودانيون بالمناطق المحررة في منطقة خور الورل (جنوب كردوفان)، والذي يربط المنطقة الغربية وكاودا، وألقوا القبض على 16 سودانياً.
وأكدت الحركة أن الحكومة لم تعلن وقف الأعمال العدوانية، وأنها لن تدخل المفاوضات قبل أن تقوم الحكومة بسحب هذه القوات فورا، وإطلاق سراح المحتجزين وممتلكاتهم، وهددت بانسحاب وفدها المفاوض إذا لم تنسحب القوات الحكومية.
وقال القيادي بالحركة عمار نجم الدين لـ«الاتحاد»: إن الهجوم كان خطوة غير متوقعة، ولا تحمل إرادة السلام، ففي الوقت الذي كانت تستعد فيه الحركة لبدء التفاوض، وتمد يدها بالسلام الذي ينتظره شعبنا، كانت القوات الحكومية والميليشيات تعتدي على مناطق الحركة بالأسلحة الثقيلة. وأضاف: الحركة حريصة على السلام وعلى الوصول إليه عبر التفاوض.
وقال مراقبون سودانيون لـ«الاتحاد» إن ما يجرى هو تجديد لوقف إطلاق النار، لأنه جرى وقف من قبل، لكن تجديده أراد إرسال رسائل إيجابية للحركات المسلحة من قبل الحكومة السودانية، التي أرادت التأكيد على رغبتها في الوصول إلى حل سريع، وأن هناك تفاهمات جرت بين البرهان وقيادات الحركات المسلحة بشأن ضرورة التأكيد على وقف إطلاق النار.
وكان محمد حسن التعايشي، عضو مجلس السيادة السوداني، أعلن انطلاق التفاوض المباشر بين وفد الحكومة السودانية وحركة الحلو. وأشار التعايشي إلى أن وفود التفاوض أعلنت مجتمعة التزامها بالانخراط في مفاوضات جادة بغية التوصل إلى اتفاق سلام شامل يطوي صفحة الحرب في السودان. وأشار التعايشي إلى عدم وجود أي خلافات حول الجوانب الفنية بين الوفود أو خلاف على مقر التفاوض.
وبين أن الأحداث التي وقعت مؤخراً بين مجموعات أهلية بمنطقة (خور الورل) في ولاية جنوب كردفان لن تؤثر على عملية السلام وسيتم حولها تحقيق شامل وملاحقة الجناة ومحاسبتهم وفقاً للقانون. وشدد التعايشي على التزام وفد الحكومة بمواصلة الحوار حول السلام، قائلاً: «لابديل للسلام إلا السلام». وأوضح أن السودان أمامه فرصة تاريخية لتحقيق السلام الشامل وطي صفحة الحرب.
وفي أول رد فعل على قرار البرهان وقف إطلاق النار، رحبت الحركة الشعبية بقيادة مالك عقار بالقرار، ودعت للإسراع بالتوقيع على وقف العدائيات.
وقال ضحية سرير توتو القيادي بالحركة لــ«الاتحاد» نريد من الحكومة أن تكون إيجابية في هذه المسألة، لأنه من دون التوقيع على وقف العدائيات بشكل رسمي من الجانبين، لن يتحقق السلام بشكل عملي.
وأشار توتو إلى أن المفاوضات المباشرة ستبحث ملفات المساعدات الإنسانية، ووقف العدائيات، ثم الترتيبات الأمنية. وأضاف: نحن في الحركة الشعبية بقيادة مالك عقار لدينا روح إيجابية تتعلق بضرورة إنجاز هذه الملفات قبل الشروع في الملفات الأخرى، وقد اجتمع وفدنا من أجل بلورة نقطة الانطلاق في هذه الملفات، واتفق أن يتناول الموقف التفاوضي قضايا السودان الأساسية والجوهرية بالتنسيق مع الجبهة الثورية في كافة المسارات، وأن يتناول قضايا إنهاء الحرب في منطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، وتحقيق السلام العادل والشامل ودعم العملية السياسية التي أنتجتها الثورة السودانية، ودعم مسارات الحل في شمال وشرق السودان، ودعم قيام نظام جديد ومشروع وطني جديد.
ومن جانبه، أعلن الاتحاد الأفريقي استعداده لدعم محادثات السلام السودانية، لإنجاح عملية السلام السودانية. وقال جيرمايا كنقسلى ماما بولو المبعوث المشترك لبعثة الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة في دارفور إن الاتحاد الأفريقي سوف يستجيب لكل طلبات الدعم التي تتقدم بها الأطراف.

عقبات أمام «مفاوضات السلام»
رغم أجواء التفاؤل الكبير الذي صاحب انطلاق مفاوضات السلام السودانية في جوبا عاصمة جنوب السودان، لكن كل هذه الأجواء الإيجابية لم تستطع أن تخفي العديد من العقبات والعراقيل التي تطل الآن برأسها، وسرعان ما ستفرض نفسها على مائدة التفاوض، وبعض هذه العقبات والعراقيل مرتبط بطبيعة الصراعات الممتدة في السودان، الذي خاض غمار الحروب الأهلية في كثير من أنحائه على مدى 7 عقود من الزمان.
فهناك عراقيل ترتبط بالأجندات الشخصية لبعض قادة الحركات المسلحة أو بعض الشخصيات الموجودة في المركز، وأخطر ما في الأمر هو الخبرة الموروثة لدى الحركات المسلحة في التفاوض مع النظام السابق، وقد درج النظام المعزول في السودان على التوصل لاتفاق مع قادة الحركات التي يتفاوض معها بالمناصب والترضيات المختلفة.
وهناك على ما يبدو خلاف حول استمرار المفاوضات في جوبا، وبعض الحركات المسلحة يرى أن عملية السلام هي عملية كبيرة تحتاج إلى دعم مالي كبير، فضلا عن التسهيلات اللوجستية لعملية التفاوض.
ومن الملاحظ أن عبد الواحد محمد نور رئيس حركة تحرير السودان لم يحضر المفاوضات، رغم حرص رئيس الوزراء السوداني عبدالله حمدوك على لقائه في باريس مؤخرا، والمناشدات العديدة له باللحاق بقطار المفاوضات، كما تغيب عن الجلسة الافتتاحية للتفاوض ميني أركو ميناوي زعيم الحركة الأخرى لتحرير السودان، وما زالت الفجوة شاسعة بين الحركتين الشعبيتين لتحرير السودان، الأولى بزعامة مالك عقار، وقد أصبحت جزءا من الجبهة الثورية، والثانية بزعامة عبد العزيز الحلو، والتي يبدو أنها تملك الرصيد الأقوى عسكريا، وتطالب الآن بعلمانية الدولة، وهو الأمر الذي يتحسب البعض في الخرطوم من القبول به صراحة.
ويعني ذلك أن الحركات المسلحة مازالت متعددة وغير متوحدة وغير متفقة على أهداف واحدة أو طريقة للتفاوض، رغم مجهودات بعض الدول من أجل توحيدها. كما أن بعض هذه الحركات طالب بسقوف تعجيزية، وبعضها راغب في الحصول على أكبر قدر من المحاصصة في السلطة والثروة.
ولا يتعلق الانقسام والتباينات بالفصائل المسلحة وحدها، وإنما يشمل أيضا الجانب الحكومي الذي يبدو هو الآخر منقسما على نفسه خاصة ما يتعلق بتشكيل موقف تفاوضي واحد، حيث تبدو الحكومة في ناحية، ومجلس السيادة في جهة ثانية، وقوى الحرية والتغيير في جهة ثالثة، وتم تشكيل مفوضية السلام على عجل قبيل بدء المفاوضات مباشرة.
والمؤكد أن عملية التفاوض ستواجه العديد من القضايا الصعبة المعقدة المتعلقة بحياة ملايين البشر من النازحين واللاجئين والمشردين والتحديات الكبيرة المرتبطة بالعديد من أنحاء السودان المهمشة التي تنتظر تمييزا إيجابيا يعوضها سنوات الجدب والحرمان، وهي كذلك تتعلق بالعدالة الانتقالية وتعويض المتضررين ومحاكمة المتورطين وجبر المتضررين، وكل هذا بغير شك يحتاج من جميع الأطراف المتفاوضة أن تكون على قدر المسؤولية والتحدي الكبير.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©