يشير المجتمع أحياناً إلى التكنولوجيا، على أنها سبب لضياع الأجيال، وتأثرهم ثقافياً واجتماعياً، تأثيراً سلبياً، ناقص الذكاء، بينما أصبحت الحياة خارج الذاكرة البشرية؛ إذ «الموبايل» أصبح ذاكرة من لا ذاكرة له، وأصبحت الحياة تتناغم مع كل أطيافها، بماضيها وحاضرها وقادمها. تتناغم بما يطرحه «الموبايل» المصاحب للجسد، بينما في وقت ما، كان الحديث يجري عن مجابهة «الموبايل» بالرفض، أو بالحد من سطوته، بل كان، في بداية ظهوره، كثيراً ما يفقد وينسى في الأماكن العامة، كحالة من التنافر معه، عمدت إليها شرائح المجتمع المنتمية لثقافتها والمعتدة بها خير اعتداد.
وبعد سنوات قليلة، تمكَّن هذا القادم من عالم الخيال، ومن عالم الفلسفة «التكنولوجية»، وتقدم في أبهى صورة، وما لبث العالم أن تبنى هذا الإلهام، الذي بدأ يتجاوز الاتصال المتعارف عليه، ليبرز بخطوات حثيثة في المعرفة والثقافة، ويصقل الذوات البشرية بالمعلومات المجتمعية، ويبرز ما كان عصياً من التواصل الاجتماعي، وما كان بعيداً من علوم وثقافة، وهذا هو المنجز الحقيقي للمعاصرة، فالشعوب المثابرة حضارياً تواصل جني فوائد الطفرة العلمية.
لكن ماذا عن القادم من الذكاء الإبداعي، الذي كان موازياً دائماً للذكاء الاصطناعي؟ لا يسقط من الذهن بأن الذكاء الاصطناعي ما هو إلا ثمرة من ثمرات الخيال العلمي، وهو المغذي الحقيقي لاستمراره، وقد حان وقت الاستفادة من ثمرات الذكاء الاصطناعي إبداعياً، رغم أن العالم منذ سنوات في نقاش حول استفادة الإبداع من هذه الطفرة، وما تأثير برامجها على الكتابة الإبداعية والأدبية، ولم تجنِ هذه الدراسات جنياً مهماً، وظلت التكنولوجيا لا تجيد لغة الإبداع الإنساني، لكنها تقدم الخدمات الجلية لتشكل الإبداع، وتحفظ ذاكرته الإبداعية، وتحفظ الموروث الثقافي من الاندثار.
لم تكن شعوب العالم تحلم بما قدمت لها التكنولوجيا، لكن هل من صحوة بأهمية الاستفادة الكبيرة والقيمة والرصينة من هذه المعطيات، ونبذ ثقافة الكراسي الفارغة وموروثها الإداري العقيم ونبذ الأسماء اللامعة أو تلميعها، والالتفات للقادم، فإن العالم أصبح يصنع الحياة ثقافياً وعلمياً، ويجتهد في استثمار الذكاء الاصطناعي.
بعض شعوب العالم بدأت تقفز فوق بدائية التعليم، واتجهت نحو التعليم الحديث القادر على ترجمة العلم ذاتياً، وبالآلة الإلكترونية بدأ التعليم نسجاً آخر ونضجاً توارت خلفه الفصول الدراسية، ونهجاً في المحاضرات مختلفاً، فهذه الأدوات التعلمية تقلصت. لم تعد كما كانت، خرجت من منظومتها شيئاً فشيئاً، وفي السياق نفسه ستحذو الأدبيات القيمة والمنتديات العريضة، والإصدارات الكامنة على الرفوف، وسترسم خريطة ثقافية من منظور الوعي الإنساني الشامل.