كعادة سنوية تفرح بها العاصمة، وتبتهج بعرسها الثقافي الجميل، ذاك الذي يضيء سماءها بوهج الحرف وجلال الكلم، هو ذاك الحضور السنوي للكتاب، ومنذ ما يقارب الثلاثين عاماً ويزيد، حين كانت الفكرة النبيلة لا تزال بذراً لسنبلة شهدناها تكبر بِنَا ومعنا، حينما كان المعرض خيمة في العراء، لكنه كان دافئاً كقلب أم لا تتعب من الحب. هو حضور آخر لأرباب القلم حين يتوافدون زرافات وفرادى على زاويا الأمكنة، ومناطق الدفء في أبوظبي، يأتون محملين بجميل أفكارهم ونيّر آرائهم، وحاملين في حقائبهم ذلك الود القديم، والحب الذي يتجدد للناس ولهذا البلد. مشاريع معارض الكتب التي تستضيفها بعض العواصم العربية، هي ظاهرة خير، وعلامة صحو في هذه الأيام المدلهمة بالخطب وجليل مستعصيات الأمور، حتى أننا نكاد في عالمنا العربي نفتقد أي بشارة صبح، وأي بارقة أمل، ولا يبدد تلك الظلمات إلا الأسفار، وما طرس فيها من مداد المعرفة، ونور الحكمة، والإيمان حبت يتجلى بالبرهان والسلطان، ومحاججة الآخر، ومعونته على قول فكره، لا استقصاء، ولا حجر، ولا إلغاء لثقافات الآخرين، فالناس أسوياء ومتساوون لا دين ولا لون ولا عرق يفرِّق، تبقى إنسانية الإنسان هي الرهان الحضاري لكل الأشياء، فالمجتمعات لا تقوى على النهوض من عثراتها إلا بالعلم والعمل، وخير العمل ما قام على العلم، وخير حافظ للعلم الكتاب، وإن تعددت أوجهه، وتنوعت مساربه، منذ الكتابة على جدران الكهوف والحجر والعظم والرقيم والجلود والخشب وما أنتجت النخلة من حطب إلى أن جاء القرطاس وتسيّد، وجاءت معه الطباعة بمختلف أطوارها وتسيّدت، واليوم يتراجع الكتاب الورقي قليلاً لصالح الشاشات وما يمكن أن تخزن الحواسيب الرقمية، مختصرة الوقت والجهد والحيز، غير أن للكتاب تلك القدسية التي ستظل معه، وسيحافظ عليها بتطوير أدواته وشكله، ويمكنه أن يجاري الكتاب الرقمي، لكن لن يتماهى فيه. للقادمين من الناشرين هنا ألف تحية حولية تتجدد، وللكتّاب المشاركين على هامش معرض أبوظبي الدولي للكتاب كل السلام والود ورحابة الصدر، ولعشاق تلك الرائحة شبه الترابية والتي تأتي مع الكتاب الجديد كشيء من عبق الثرى حين يجسه نف المطر، كل الهلا، والرحب، فالمعرض ميدانكم، والكتب هي متاع العقل والقلب، وبصيرة تأتي مع حروف المعرفة والنور، وبصر ينير لنا الدروب المظلمة، والدروب الظالمة بالجهل، وبالرجعية وبالذين يريدون أن يغتالوا حلمنا، وحبنا للحياة، وفرحنا بها حين تكون ملونة بالخير والحق والجمال.