الحب.. منازل القلوب، واستمد بنيانه من فرادته في الشفافية، واستثنائيته في العفوية، وتميزه في العطاء من غير شرط، وانحيازه الدائم إلى الحق، وبلوغه مجد التفاني من دون تردد، وهكذا تشرب الحب من وحي تربة صحراوية نبيلة، وبيئة طبيعية أصيلة.
لم يكن في الحياة إلا نسيماً يمر على وجنات الوجود، برشاقة المخلوقات الخارقة، ولباقة الرجال النجباء. في رحلة إلى باريس، برفقة زملاء المهنة والواجب، قادتني خطواتي إلى نهر السين، وهناك عند السور القديم استوقفتني عبارة كتبها أحد العشاق فحواها «نحن عيال زايد».
هذه العبارة أدهشتني كثيراً، كما أبهرتني، وأنا أتأمل الكلمات المحفورة على جدار السور، وتساءلت حينها! ما الذي جعل هذا الإنسان أن يتذكر الشيخ زايد وهو في بلاد تبعد عن الإمارات آلاف الأميال؟ ثم قفزت إلى ذهني مضامين ما تعنيه هذه العبارة، حيث الحب الطاهر لا تخفيه المسافات، ولا تعرقله الأمكنة، ولا تعيقه الغربة.
هناك خيط ذهبي ربط هذا الشخص، كاتب تلك العبارة، والشيخ زايد، إنه الحب عندما يحتل وجدان الإنسان، ويصبح جزءاً من كيانه، بل والدم الذي يجري في شريانه.
أَحب الشيخ زايد الناس فأحبوه، ووضعوه موضع الرمش من العين، وأسكنوه في القلب، وفي صفحة الجبين.
زايد الذي رفع هامات الناس إلى أعالي القمم، ولوَّن حياة البشر بالأحلام الزاهية، ولم تغمض له عين، وهو يسمع عن شعب مظلوم، أو ثكلى مستلبه، أو أرملة منتهبة.
كان حلمه أن يحيا العالم في سلام ووئام وانسجام، لإيمانه بالوحدة الإنسانية، وتكامل الأهداف وتساوي الأكتاف. هذا الوجدان المتدفق شلالاً من حب، كان جديرا بهذا الحب المتعاظم في نفوس الناس أجمعين، تجاه من أعطى للحب ناموساً، ومنحه قاموساً، وأيَّده بروح صافية، مثل الماء الفرات، مثل الزلال.
هذا الحب الذي زرعه زايد في ضمير الناس، كان جديراً به أن ينمو، ليصبح هرماً، يزعزع كل أشكال الأحقاد التي تنبت في مشاعر من جهلوا معنى الحب، ومن ساوموا في علاقتهم بالآخر، على التواصل والأواصر.
كان هذا الحب الذي بناه الشيخ زايد، كفيلاً بأن يبني جدران دولة من جواهر العفة، والبوح الجميل، مما جعل بلادنا الإمارات، سيمفونية على إثرها يشدو العشاق بألحان المحبة والانتماء إلى التسامح، والتصالح مع النفس.