في عيد الأم ترفرف أجنحة الطير، وتهتف أوراق الشجر، وتعزف النجوم لحن الخلود وتردد الموجة النشيد، وترفع الجبال هامة الوجد الإنساني، وتثب الغزلان ريانة نشوانة بالحب والولاء والانتماء إلى ثوب المرأة المعطر، بحنان الأمومة المعبق بشوق الأنثى المباركة، التي جعلها الله شرشف الحياة الرهيف الخفيف المنيف. في عيدها تزخر الحياة بالبهجة والسرور، وتمتلئ القلوب برائحة الأمل الجميل والأمنيات النبيلة، وتشرق الشمس على الوجوه، لتصبح نهاراً زاهياً بالنور مزدهراً بالشفافية، مبهراً مذهلاً مدهشاً، وينبت العشب القشيب على ترب الحياة. في عيدها تثمر القصائد أبياتاً من شوق إلى أمهات صنعن المستقبل بأنامل من ذهب، ونقشن على قماشة الكون صورة المرأة الجلود، وصبر النخلة النبيلة، ونجابة الغافة الأصيلة. في عيدها نستدعي المشاعر، كي ترسم الصورة المثلى لأم سهرت وتعبت، وأيقظت النجوم كي تحرس فلذة الكبد، واستدعت الأقمار كي تطوق الأعناق بقلائد من أحلام زاهية لا تشوبها شائبة سغب، ولا تخيبها خائبة تعب، هذه الأم التي ما نامت إلا بعد أن تغمض عينا الحبيب وتهدأ سكينته ويغض طرفه، هذه الأم التي هدهدت ورعت، حتى ترعرعت الأشجان ونما الوجدان في حقل من اللمسات الرهيفة، فصار الوجدان أغصاناً، وصارت الأغصان خيوطاً من شمس التطلع إلى وطن أعمدته رؤوس لا يخفت نورها ولا يخف طلوعها. في عيدها تتباهى الأشجار، بأن لها جذوراً مغروسة في قلب امرأة عشقت الحياة، فكتبت على جبين الطفل الرضيع اسم الوطن وحبه، والولاء له والانتماء إلى ترابه الحبيب، والإيمان بقيادته أنها النموذج والمثال، وأنها النهر الذي منه وإليه تعود كل هذه الصورة المفرحة والحياة السعيدة. في عيدها نرفع آيات الشكر والتقدير لكل أم غرست في وجدان طفلها حب الوطن، والصدق في خدمته ورفعة شأنه، هذه هي المرأة الإماراتية، هذه هي الأم التي رافقت الرجل في حله وترحاله، في سفره وفي فرحه وكدره، هذه هي أمنا وتاج رأسنا وتوأم روحنا، هذه هي سنديانة الأرض وأيقونة الحياة، هذه المكانة التي أسست للمكان موقعاً على الأرض، ونسجت على قماشة السماء نجمة الحلم البهيج، وسطَّرت ملاحم الكفاح، لأجل أن يبقى الرجل ناقوساً يدق في عالم النسيان، وأن يحيا الوطن معززاً مكرماً منعماً بالرقي، مشفوعاً بالحب، مدثراً بدفء الناس الكرماء. في عيدها نحتفل بتاريخها المجيد، وإرثها التليد، ونملأ حياتنا فخرا بامرأة سكنت وجدان الكون حتى صار الكون امرأة تطوق أعناقنا بالثقة، وتحيط أحداقنا بالثبات. نحتفل بعيدها، فهي التي صنعت رجالنا المرابطين عند حياض الشرف، الثابتين عند مبادئ الحرية لكل مظلوم ومهضوم ومكظوم، هي أم رجالنا المدافعين عن الحق والحقيقة.