قبل حرب الخليج الثالثة، حذر المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، من تداعيات أي ضربة قاصمة للعراق، وقال بوضوح أفصح من شروق الشمس، إن ما حصل للعراق من حصار استمر عشر سنوات كان يكفي كعقاب لقيادته التي غزت دولة عربية شقيقة، ولها الفضل على العراق والعالم العربي، ولكن في خضم الفورة العالمية والصدمة التي أحدثها الغزو، لم يكن لأن يصغى لصوت العقل، فهوجم العراق، حتى أصبح طرائق قدداً، تتناهشه الإثنية والطائفية البغيضة، وصار ميداناً لحوافر الغرباء، وكل من لديه أجندة تفتيت لهذا البلد العربي.
كان قلب زايد أعظم من كل النيات الضيقة، وأنبل من كل السياسات المشوبة بالبغض والكراهية. كان التسامح هو النهر الذي سبحت به مشاعر زايد، وكان التضامن مع الحقيقة هو الشجرة التي تعانقت فيها أجنحة المحبة في قلب زايد.
لم يكن زايد يخفق إلا بمشاعر الطبيعة، والطبيعة تدعونا دائماً إلى التخلص من الأوراق الصفراء، والتحرر من الأغصان الجافة. رجل من هذا الزمان تصالح مع نفسه، فذهب إلى العالم بقلب أصفى من الماء الرقراق، وأنقى من الشهد، وأشف من الوردة، وأعف من عشبة الأرض، وأنصع من وجد النجمة، وأعذب من مهجة الغيمة.
لغة زايد في التعاطي مع الآخر، اتسمت بشيمة القصيدة التي جدل أبياتها، من حرير شفافيته، ولغة زايد في محاكاة الإنسان، ارتشفت من معين الصحراء الأبية، فسار في الحياة، يمتطي صهوة وجدان لم تلمسه غشاوة، ولم تدنسه شائبة، هو هكذا كان في الوجود، بعفوية الكائنات النجيبة، إن وجد اعوجاجاً في غصن قومه، وإن لمس جفافاً في أرض أسقاها، وإن أحس بضعف في مخلوق أسعفه، وكأن هذا الزعيم جاء بمهمة إنقاذ ما يمكن إنقاذه لتبقى حياة الناس شجرة وارفة الظلال، ولتظل مشاعرهم أوراقاً خضراء، تهفهف ريانة جذلانة لا تعتريها زلّة، ولا تعترضها عقبة.
كانت مهمته في الحياة، وضع القلائد على النحور بكل فخر، ورضا وطمأنينة وسكينة، تتلوها ابتسامة حب، تملأ الوجود بساطاً من حيوية، وتكسو الحياة شرشفاً من نعيم، وترفل مشاعر الناس بمعاطف الدفء والحنان.
هذه أبوة العظماء، عندما يصبح القائد في الزمان مكاناً للألفة والتضامن والتكاتف، والتحالف ضد شيطان الأنانية والتعنت والتزمت، والانغلاق، والانسياق وراء الذاتية المهلكة.