نحن نعتقد أن الإنسان وحده يملك موهبة الذكاء الفطرية التي تفتح له طرقات الحياة والإبداع والابتكار ووسائل حل المشكلات التي تحيط به من أجل الحفاظ على وجوده ومقاومة الفناء. رغم أن الفناء أصبح غاية لبشر ضللتهم عقائد الضلال والمنافع المادية. لكننا لا ننتبه غالباً إلى أن موهبة الذكاء الفطرية موجودة في كل الكائنات الحية في الطبيعة. شجرا كانت أم حيوانا، أم حشرة، مهما بلغت من الضآلة حجما. فلا ننتبه إليها في بيوتنا إلا كحشرة مؤذية نسارع إلى قتلها. ولعل الذين يدرسون طبيعة هذه الكائنات في مختبراتهم يعرفون درجة هذا الذكاء الموجود في الكائنات التي أخضعت للتجريب والاختبار. أما عامة الناس فإنهم لا ينتبهون إلى هذه الموهبة الفطرية في الكائنات التي تحيط بهم.
صحوت صباحا واتجهت إلى المطبخ كالعادة لأحضر فنجان قهوتي. فتحت باب المطبخ ودخلت. لكني تسمرت فجأة ولم أتقدم. فقد أذهلني مشهد لم يخطر على بالي ابدأ. بقيت واقفة أحدق في المشهد العجيب. رأيت سرباً من النمل على أرضية المطبخ وهذا أمر مألوف وعادي. لكن مشهد النملات كان غريباً. فقد توزعن في انتظام عجيب حول ذيل سمكة محشور بين شقوق البلاط. رأيت ثلاث نملات تقفن عند طرف الذيل الرفيع، وإلى كل جانب من جوانب الذيل تقف أربع نملات، وعند طرفه الغليظ تقف ست نملات.. كانت النملات الثلاث والنملات الأربع على الجانبين يدفعن بالذيل عبر شق البلاط. والنملات الست يسحبنه، حتى أوصلنه إلى عتبة الباب. لكن البلاط المصفوف على العتبة كان مرتفعاً عن مستوى أرضية المطبخ. فلم يستطعن العبور بالذيل خارج الباب. توقفت النملات ورحن يدرْنَ حول بعضهن كأنهن يفكرن ويتشاورن حول الوسيلة التي يستطعن بها إخراج الذيل. بقيت واقفة أنتظر، وأحدق في سرب النملات بدهشة وتعجب. فبعد دقيقتين أو أكثر. رأيت أربع نملات تدور وتدور حول عتبة الباب حتى رأين فتحة بين الجدار والباب لم تغطى جيدا بالبلاط. وبدهشة لا تصدق، عادت النملات الأربع إلى رفيقاتهن اللواتي كن يحرسن الذيل. وكأنهن همسن لبعضهن بالاتجاه بالذيل نحو تلك الفتحة. فأدارت النملات اتجاه الذيل نحو الفتحة ورحن يدفعنه حتى أوصلنه إليها وأخرجنه منها إلى الحديقة!
يا إلهي.. لم أكن لأصدق هذا المشهد لو لم أره بعيني. أي ذكاء هذا الذي يتمتع به النمل دون أن ندركه نحن البشر المغرورون بذكائنا!