مرة أخرى، تشتعل منارة معرض أبوظبي الدولي للكتاب لتضيء سماء المنطقة بروح التنوير والإبداع، ولتعيش الإمارات من خلاله عرسها الثقافي الأجمل والأروع. وهذا العام تقترب بولندا كضيف شرف على المهرجان، وتحط بثقلها الثقافي في أرض جديدة، وترسم جسراً مهماً في التعريف بثقافة هذا البلد العريق. والحقيقة أننا في الخليج عموماً، تأخرنا كثيراً في نبش كنوز الثقافة البولندية، وبالكاد تعرفنا على رموزها مقارنة مع دول أخرى. وما يقدمه المعرض هذه السنة، لن يقف على تقديم ثقافة هذه البلاد، بل يمتد إلى فتح نهر معرفي مهم لجريان النور بين بولندا وثقافة العالم العربي. ومن الضروري الإشارة إلى تأثر الأدب البولندي الكلاسيكي ببعض منجزات الثقافة العربية ومنها كتاب (ألف ليلة وليلة). كذلك، فإن بعض الجامعات هناك تقدم تخصصات للراغبين في دراسة اللغة العربية، وبالأخص المسلمين منهم. على الضفة الأخرى من نهر النور هذا، يتيح المعرض للوفد الثقافي البولندي الاقتراب أكثر من تراث وتاريخ وثقافة الإمارات، وبالأخص النهج التنويري في التعاطي مع الآداب والمعارف. وأذكر أن إحدى المستعربات من بولندا قد زارت الإمارات قبل عدة سنوات، وتحدثت عن اهتمام بلادها بالأدب في منطقة الخليج عبر توفير منح دراسية. ويأتي معرض أبوظبي للكتاب ليتوج هذه التوجهات ويثريها على مستويات فنية وفكرية وثقافية كثيرة. وبالأخص إذا علمنا أن المعرض سيحتضن على هامشه منتدى ضخماً حول الترجمة يمتد لأربعة أيام. لا شيء يعوض الكلمة. هناك مجرى جديد وتحولات في شكل المحتوى الذي تتيحه التكنولوجيا. وهناك نقاش سيقام على هامش المعرض حول مستقبل الكتاب في ظل الثورة الرقمية التي اقتحمت كل مجالات العلوم والمعارف، وصار لا بد من استثمارها لخدمة الكتاب، سواء ظل ورقياً، أم انتقل إلى الفضاء الإلكتروني. وما يفرح حقاً، أن المعرض استطاع أن يضع نفسه في المقدمة عبر مجموعة من التحالفات مع معارض ومؤسسات الكتاب ودور النشر العالمية لوضع أساليب مبتكرة تمكّن الناشرين من النمو والتطور المستدام ومن بينها (منتدى كتاب المستقبل) الذي يقام في أوروبا كل عام، وينتقل هذه السنة للمرة الأولى إلى أبوظبي. كل هذه المعطيات تجعلنا نثق بمستقبل الثقافة في الإمارات، والتي يعد الكتاب أس خيمتها، وباب دخولنا في بهجة الضوء والحب للكلمة وسحر عالمها الكبير.