حدثني صديق مستغرباً كيف علمت إحدى الجهات الخدمية بوجوده في أحد مرافقها، فقط لمجرد أنه فتح «النت» عبر هاتفه الذكي لبضع دقائق أثناء مروره هناك لإنجاز معاملة تخصه. الرجل - وهو كحالتي- من غير المتبحرين في التقنيات الجديدة وتطبيقاتها اعتبر الجهاز «جاسوساً في جيبه». قلت له ممازحاً «دعه يتجسس طالما أنك على مسار صحيح». ولكنه تمسك بموقفه من هذه التقنيات وبرره بقلقه من أم العيال!!. وبعيداً عما اعتبره الرجل أمراً غريباً، تبرز المسألة للواجهة مع تزايد قضايا انتهاك الخصوصية وتسريب البيانات، وبالذات بعد فضيحة «فيسبوك» و«كامبريدج انالتيكا» وخسران أشهر موقع للتواصل الاجتماعي ما قيمته 37 مليار دولار من أسهمه، وكذلك استدعاء الكونجرس الأميركي لمؤسس الموقع مارك زوكربرغ للاستماع لشهادته التي جاءت لتضفي المزيد من الشكوك على حقيقة ودور هذه المواقع، والتي لم تبددها الاعتذارات الباهتة له، وزاد الموقف حدة بحذف «ستيف وزنياك» مؤسس شركة «آبل» حسابه على «فيسبوك» بعد فضيحة تسريب بيانات 87 مليون حساب عليه. برغم الجهود الكبيرة التي تقوم بها بعض الجهات المختصة في الدولة، وفي مقدمتها جهاز استخبارات الإشارة والمعروف سابقاً بالهيئة الوطنية للأمن الإلكتروني، وكذلك هيئة تنظيم الاتصالات لتوعية الجمهور بقضايا الحفاظ على الخصوصية والبيانات الخاصة، إلا أن الكثير من الناس لا يولي هذا الجانب الاهتمام والأهمية التي يستحقها، ليصاب بالهلع لمجرد وردود رسالة على هاتفه أو بريده الإلكتروني حول وجوده في أحد الأمكنة العامة مثل حالة الصديق الذي أشرت إليه. قبل ما يزيد على عقدين من الزمن، كان يقال لمن لا يحسن التعامل مع الكمبيوتر إنه «أمي» عصره، واليوم تتحول هذه الصفة للذي لا يجيد استخدام الهواتف والتطبيقات الذكية بصورة آمنة ينجز بها معاملته بسرعة ودقة، وفي الوقت ذاته يحمي بياناته من محاولات الوصول إليها من خلال قراصنة العصر ولصوص المعلوماتية أو حتى مواقع التواصل، وغيرها من المواقع غير الآمنة. اليوم مع اجتياح هذه الأجهزة حياتنا والتوسع الهائل للجهات والدوائر الحكومية في تحويل خدماتها للتطبيقات الذكية للتسريع فيها وتقديمها بجودة وكفاءة عاليتين، فإن الجهات المختصة التي ذكرتها مدعوة لتكثيف برامجها التوعوية والتثقيفية بالوتائر ذاتها التي تعمل بها لتأمين المواقع والحسابات، وتحصينها من مخاطر الاختراق. وكأفراد نحن مطالبون بحماية أنفسنا من تلك المخاطر الجدية.