نحن الجناة.. نحن من فعلها.. نحن من أجبر الأبناء على أن يخلعوا ثوب الأب القديم، فهو لم يعد يسمن ولا يغني من جوع ولا شهرة ولا شيء.. نحن من تشبث بالكرة وسار في دربها كالمجنون، وفي الطريق دهسنا كل شيء، ولم يعد لدينا سوى كلام في كلام نردده في كل مناسبة عند الحديث عن الألعاب الجماعية وتراجعها.. نتكلم ذراً للرماد.. إرضاءً لضمائرنا فقط، ونستيقظ صباحاً لنروي ذات الواقع الذي صنعناه، ولم نزرع فيه سوى «شجرة الكرة».
على صفحاتنا هنا، قطعاً لن يفاجئكم هذا التحقيق عن أولاد «الوز» الذين لم يعودوا «عوامين».. أولئك الذين خلعوا جلباب آبائهم بمباركة الآباء، بعد أن وجد أولئك وهؤلاء أن الألعاب الأخرى ليست سوى أوهام، ربما كانت تغري في زمن الهواية، قبل أن يسحقها الاحتراف.
قل لي بالله عليك، لو كنت أباً، وطلبوا منك أن يلعب ابنك السلة أو الكرة الطائرة، ويحصل على 150 درهماً كل شهر، وزميله في كرة القدم يحصل على خمسة آلاف، وإن بقيا على حالهما، فبمجرد بلوغهما الثامنة عشرة، سيحصل ابن الكرة على 50 ألف درهم شهرياً على الأقل، ولو تألق ولدك وحقق ما لم يحققه أحد، حتى من أقرانه في الكرة، وأصبح لاعباً دولياً سيحصل على راتب ربما خمسة آلاف.
المعادلة عبثية، والكلام فيها أصبح مملاً وكئيباً، لدرجة أنني لا أريد أن أمضي في سطوري للنهاية.. أحياناً أظن أنني كتبت ذلك قبلاً، أو على الأقل مضى ما كتبت مثلما سيمضي ما نكتب دونما جديد.
ماذا كنتم تنتظرون من فردان الفردان لاعب الطائرة تجاه ولده حبيب؟ أو من زميله محمد العطاس تجاه أولاده الأربعة؟ أو من حمدان سعيد أو قاسم محمد..؟ هل انتظرتم منهم أن يحملوا على عاتقهم إنقاذ تلك الألعاب..؟ كيف وهم بأعينهم رأوا كيف سحقت تلك الألعاب أحلامهم.. ربما لم ينالوا منها سوى أنهم انساقوا خلف الشغف بها.. ربما ليس لديهم منها سوى تلك الذكريات بصحبة التدريب أو فوز هنا أو هناك، لم يشعر به أحد سوى الأم والأب والأصدقاء.
في ظني ويقيني أن أي لعبة غير الكرة أجدى منها، وفي يقيني أيضاً أن لدينا من المواهب ما يكفينا، لكننا المقصرون.. نحن من صنع هذه الهوة السحيقة، ومن نصر على أن تبقى الأمور على حالها والفوارق كما هي.. نحن قسونا على الأبناء، ونريد من آبائهم أن يكونوا قساة مثلنا.
كلمة أخيرة:
تراجع الألعاب الجماعية غير الكرة طبيعي.. هذا ما جنت أيدينا وأفكارنا.